فتصور بعد ما بين الضميرين في الكلم القرآني وفي مقال زكي مبارك يتضح لك مبلغ عداوة هذا الرجل للقرآن.
ذلك هو الموضع الأول الذي تعرض فيه زكي مبارك للقرآن في مقاله. أما الموضع الثاني، فحين أجرى المحاورة الآتية بينه وبين صاحبته التي أراد أن يقنعها بأن الجماد حي، لأن بعض الزلط شكاه شكل الدوم والخيار!
هي: ما رأيك في الآية الكريمة: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)؟
هو: (القرآن يعرض الظواهر التي تعارف عليها الناس لتكون الحجة على القدرة الإلهية أقوى وأوضح. فمن العجيب في نظر من لا يعرف أن تكون البذرة الخرساء أصلاً للدوحة الشماء، وأن تكون البيضة الصغيرة أصلاً لطائر جميل يغرد أو يصيح
وفي جوابه هذا يفرض أن معنى الكلمات الكريمة لا يمكن أن يخرج عما كان يعرفه الناس في ذلك العصر، لأن القرآن عنده إن هو إلا كلام محمد العربي الذي عاش في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الميلاديين. ومن هنا نسبته الخطأ إلى القرآن الكريم مرات في جوابه هذا: نسب إلى القرآن إنه جارى الناس في تعجبهم مما لا عجب فيه في الحقيقة، ونسب إليه إنه أراد أن يحتج لهم على القدرة الإلهية بما لا حجة فيه في الحقيقة، ونسب إليه إنه جهل جهلهم حين عجب عجبهم من البذرة تخرج منها الشجرة، والبيضة يخرج منها الطائر، لأن هذا كله عجيب عنده في نظر من لا يعرف! أما من يعرف ما يعرفه زكي مبارك من أن الأشياء كلها حية حتى الزلط، فليس خروج الدوح من البذر، ولا الطير من البيض عنده يعجب!
والرجل يفتري في كلامه ذلك ليتوصل إلى إنكار الإعجاز المعنوي لتلك الآية وأشبهها في القرآن الكريم. فلا الناس في ذلك العصر، بل ولا جمهرتهم في هذا العصر يرون عجيباً أن يتحول البذر والبيض إلى نبات وحيوان، لأن ذلك شيء عادي مألوف قد غطت الألفة على موضع العجب منه، وصرفتهم عن تدبر سر القدرة الإلهية فيه. والقرآن الكريم هو الذي عجب الناس من أمثال هذا المألوف، واستلفتهم إلى ما فيه من معجز القدرة الإلهية حين طالبوا النبي بالمعجزات، وأقام منه الدليل العقلي العلمي على إمكان البعث حين أنكروا البعث، ودعا إلى التفكير والبحث عما أودعه متنزل القرآن سبحانه في كل ذلك من أسرار