للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

٧ - الشعر الجديد

يلحق بالشعر الجديد ما يدعونه اليوم (الشعر المنثور). ويكاد النوعان يتطابقان في جميع المظاهر والخصائص التي ألممت بها في هذه الأحاديث. وغالب ما قرأت من (المنثور) منشأ إنشاء؛ ومنه ما هو مترجم. وما يستجاد من هذا أو ذاك لا يكاد يذكر

ولقد كنت أحسب بادي الرأي أن رحب (المنثور) وانفساح جنباته، وأنَّه غير منحصر في وزن أو قافية - مما يأذن لسلامة التعبير ومتانة الأداء. ولكني وجدت الحال هي الحال. فإن كان لهم شئ مما يزعمون من المقدرة، فهنا مجاله. وإلا فأين نتلمس (نضارة الزهر، وعبق الريحان، وفتنة الألوان)؟

وعلى ذكر (القافية) يعن مظهر آخر - سوى ما أسلفنا - من مظاهر (الشعر الجديد): ذلك هو قلق القوافي فيه ونبوها، حتى إنك لتحس أنها تحشر حشراً، وتساق سوقاً، وتضغط في أماكنها ضغطاً، فتأتي واهنة خائرة، أو باردة فاترة

ورصانة القافية تنبئ بالفحولة ورسوخ القدم. وقديماً اعتبرها النقاد من أسس الموازنة، ومقومات المقايسة بين الشعراء. وقد عنى بها (العروضّيون) فبسطوا فيها القول، ونسقوا لها القواعد، وأفردوها بالتأليف؛ حتى وصلوا من ذلك إلى تفصيلات دقيقة، وتفريعات عجيبة. وذلك لمكانتها من القصيد، وأثرها في النفوس، متى اكتملت فيها شرائط الحسن، واستحكمت لها أصول الفن

ولسنا بصدد طرق هذا الباب؛ وإنما نريد أن نقول لهؤلاء النظامين: رويدكم؛ فإن الأمر ليس من الهون كما تظنون؛ فإحكام القافية وإنزالها منزلتها، مما يتطلب تحصيلاً عظيماً، وحسا مرهفاً، ومعاناة طويلة للجزل من الكلام، والمحكم من القريض

فلا غرو إذا أن ندرك سر تبرم القوم بالقوافي فقد تواترت اليوم صيحات تدعو إلى (كسر هذا القيد، وخلع ذلك النير). قالوا: وما للتقفية والشعر؟ لئن كانت التقفية سبيل القدماء ومنبت عصورهم، لخير لنا في عصرنا هذا أن نطرحها، لنكون في التفكير أكثر سداداً، وفي الخيال أبعد مرمى، ولنكون سراعاً ككل شئ

قالوا هذا، وقالوا كثيراً غيره، وأوغلوا في الاحتجاج، فأصبحنا نرى من القصائد ما لا تقفية

<<  <  ج:
ص:  >  >>