للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الغناء]

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

أنا (والله) لست من علماء (الغناء) ولا من التلامذة فيه؛ ولا أغشى اليوم دوره حتى أسمعه، ولست عراقياً ولست حجازياً. . . (فما أشرب ولا أطرب. . .)

ولو كنت هناك لتمثلت بقول محمد جار الله (رحمه الله):

سهري لتنقيح العلوم ألذُّلى ... من وصل غانية وطيب عناق

وتمايلي طرباً لحل عويصة ... أشهى وأحلى من مدامة ساق

وصرير أقلامي على أوراقها ... أحلى من الدوكاه والعشاق

وألذ من نقر الفتاة لدفها ... نقرى لألقى الرمل عن أوراقي

وما روايتي قول الحسن البصري في السماع - وقد نظمه ابن عبد ربه في عقده - وسائر ما أرويه في (نقل الأديب) إلا زلفى، تزلف إلى هذه اللغة التي شاء الله أن أكتب في ديوان خدامها ووسيلة لتحبيها إلى بنيها في هذا الزمان العجيب. فلما اطلعت في الرسالة الغراء (٥٦٣) على مكتوب الفاضل السيد عبد العزيز الرفاعي في (مكة المكرمة) في الحجاز موطن الغناء في القديم ودار محلليه، خفت أن أجيب، فأخطئ ولا أصيب. وأنا في البحث فيما أعرفه المعرفة الصالحة وجل القلب، فكيف تكون حالي في الذي أجهله؟ فليس لي - وقد قلت الحق - إلا اتباع هدى الله والعمل بقوله تعالى في (النحل والأنبياء): (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)

رحت إلى ابن عبد ربه وقلت له: أنت رويت قول الحسن في كتابك (العقد) - واسمه اليوم العقد الفريد - فكيف يكون الغناء عوناً على طاعة الرب، وكيف يصل الرجل به رحمه ويؤاسى أخاه؟ فتلقيت منه هذا الكلام:

(إن الصوت الحسن يسرى في الجسم، ويجري في العروق، فيصفو له الدم، ويرتاح له القلب، وتنمي له النفس، وتهتز الجوارح، وتخف الحركات. . . وقد يتوصل بالألحان الحسان إلى خير الدنيا والآخرة، فمن ذلك أنها تبعث على مكارم الأخلاق من اصطناع المعروف وصلة الرحم والذب عن الأعراض والتجاوز عن الذنوب. وقد يبكي الرجل بها على خطيئته، ويرقق القلب من قسوته، ويتذكر نعيم الملكوت ويتمثله في ضميره. . . وبعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>