ذلك اسم كان يطلقه الزعيم (ياسين) على ستة من الإخوان جمعهم تشابه الذوق، وألف بينهم تجانس الهوى، فتساهموا الصفاء، وتقاسموا المودة، وخلطوا حياتهم بحياة بعض، فما كانوا يفترقون الصائل الأيام ولا عشايا الليالي. كانوا يتخذون سامرهم كل ليلة في دار أحدهم، فيتحلقون على مائدة الشاي السخية، أو يتقابلون أمام المدفأة الواهجة، ثم يديرون بينهم سقاط الحديث على أروع ما تشققه الأذهان الخصيبة من براعة الفكرة وملاحة النكتة وطلاوة الخبر وسلامة النقد وصحة الحكم، فلا يدعون شأناً من شؤون الحياة، ولا وجهاً من وجوه السياسة، ولا أمراً من أمور البلد، إلا تناولوه باللسان المرهف والفؤاد اليقظ والنظر المستقل؛ فهم معارضون ولا لسان لهم في حزب، ومصلحون ولا يد لهم في زعامة.
كانوا يمثلون نواحي النشاط الفكري في العراق أصل التمثيل؛ ففيهم رجل الجيش، ورجل التعليم، ورجل القانون، ورجل الطب، ورجل الشعب؛ ذلك إلى امتياز كل منهم بسمة من سمات الطبع وصفة من صفات الخلق، فطه الهاشمي عذب الروح، سرى الأخلاق، وقور النفس، مصروف الهم إلى القراءة المنتجة والتأليف المحكم فيما يتصل بالتاريخ والحرب، ولو ترك إلى نفسه لما خرج من مكتبته ولا قام عن مكتبه؛ وناجي الأصيل نبيل العاطفة، حلو الفكاهة، سمح المقادة، أفلاطوني النزعة، يعيش في السماء ويحلم دائماً بالمدينة الفاضلة؛ ويوسف عز الدين متئد اللسان، حصين الصدر، سريع الفطنة، يتبسط في هزل الكلام ويتحوط في جده، وهو لا ينفك لإخوانه موضع السر ومرجع المشورة؛ وكامل الجاردجي متوقد الذكاء، متمرد الطبع، متوثب العزيمة، دائب الحركة، صليب الرأي، يدين بالديمقراطية، ويميل إلى الاشتراكية، ويرفرف بجناحيه على الفلاح والعامل والعاطل؛ وموفق الآلوسي طموح القلب، سريع البادرة، بارز الشخصية، يعتد برأيه إلى حد العناد، ويعتز بنفسه إلى حد المخاطرة؛ وشوكت الزهاوي واسع البال، ضيق الأفق، قد قصر جهده على عمله فلا يكاد يطمح في شيء، ولا يشارك في رأي، ولا يحفل بحادث؛ وأولئك كانوا لما اجتمع لهم من ضروب الثقافة وشتى الخلال صورة مصغرة للأمة، يعيشون منعزلين وهم فيها، ويفكرون مستقلين وهم منها، كأنهم كانوا لآمالها رموزا تتميز تميز العنوان،