للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لقد هان هذا الخطب!]

للكاتب المجهول

لقد هان هذا الخطب، وما كنت أنتظر أن يهون، ولكن الدنيا بصروفها الغرائب تهون الخطوب، وكان من شيمتها أن تجسم الخطوب!

هان خطب القطيعة، هان ثم هان، واستشعرت روح الخلاص، وكنت أبغض الخلاص، فيا عجباً لزمن يجعل بعدي عنكم شهوة يطمح إليها فؤادي!

ما بكيت على نفسي حين ودعتكم، وإنما بكيت عليكم، بكيت على دولة الحسن التي ذهبت إلى غير معاد، وبكيت على اللطف الذي حرمتموه كما تحرم الزهرة من العطر بعد الذبول

ما تمثلت أيامكم إلا تعجبت مما تصنع الدنيا بأهلها، فما كانت لكم نظائر في الحسن وللطف، ولا كانت لكم أشباه في سماحة النفس وصفاء الروح

وبكيت أيضاً على نفسي، فهذا ملك ضاع من يدي، ملك أضاعه الدهر الغادر الذي لا يبقى على شيء، والذي يستمد سطوته من قدرته على إدالة دولة اللطف والجمال

حرمت بقطيعتكم آخر أمل يرجوه من يقف على المقابر ليؤدي التحية إلى أموات يحسبهم أحياء يتلقون تسليمات الأحياء

المقابر تسمع ولا تجيب، وأنتم تجيبون ولا تسمعون بدليل أنكم تخطئون في الجواب

لو أنني كنت البادي بهذا الحب لرأيت لكم عذراً في الصدوف عني، فما يتصدق الأغنياء على الشعراء في كل وقت، وإنما كنتم البادئين وهذا فضل لن أنساه إلى آخر الزمان، فكيف تهدمون ما بنيتم، وكان غاية في متانة البناء؟

هل تعود ليالينا؟ تعود؟

لن تعود ليالي معكم يا غادرين، لأنكم لم تعودوا صالحين لإدراك ما يشتجر في قلبي، ولأن هواكم قد مات، وما كنت أحسب أنه مما يجوز عليه الموت، وقد كذبت على نفسي حين توهمت أن الهوى لا يموت

وأنا مع هذا فرح جذلان، لأني واثق بأنكم لا تعانون من آصار القطيعة بعض الذي أعاني، ومن هواي أن تكونوا في عافية من ثورة الوجدان، لتعيشوا في سلام

هل كان حبنا مزاحاً جد به الزمن فانهزم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>