هناك ثالوث من المعارف لا تنفصم أجزاؤه، إذا تحقق في رجل كانت له صفة الإنسانية الخالدة! هذا الثالوث هو الفلسفة والسياسة والأدب؛ ذلك لأن الفلسفة تصقل الفكر إلى درجة يرتفع بها عن اضطراب مفردات الوجود الجزئية، إلى نوع من التجريد العقلي تنفذ به القريحة إلى صميم الأصول التي تحدد الأشياء في جوهرها الدائم، واقعية كانت أم فرضية. والسياسة ضرب من المعرفة أخطأ مكيافللي في تعريفها حين قال:(إنها وسيلة للكذب والخداع)؛ لأنها عند المفكر الأول للبشرية أفلاطون الإلهي - إذ استعرنا لغة الفارابي -: هي وسيلة لتحقيق منطق العالم في مجال عالم الاجتماع الإنساني، فيسوده نوع من الانسجام يوجب استقرار النظام فيه؛ وتتحقق فيه (ذروة) الكمال فتستقيم حياة الإنسان. لهذا كانت السياسة هي بيت القصيد في فلسفة أفلاطون، وكانت (المدينة) كنظام اجتماعي - إذا استعرنا لغة فستيل دي كولانج - هي المحور الأساسي الذي تدور حوله فلسفات الإغريق في العهد القديم. والأدب، يكفي لتعريفه أن يلقي القارئ نظرة إلى جدول موضوعاته في مؤخر كتاب العلامة الكبير لانسون عن (الأدب الفرنسي) ليرى انفهاق نواحيه والتي في صلبها الفلسفة والسياسة؛ وذلك لأن الأديب يجب أن يعيش لتحقيق فكرة معينة في مجتمع معين، وتأكيد مذهب ونزعة واضحة في الفكر لا يحيد عن دعمها مرة واحدة في بلد من البلاد، وإلا كان قلمه رخيصاً لا قيمة لما يسطره في أسواق الأدب الرفيع؛ لأن الأدب إذا قام على العجز في الإبصار والإدراك بمعنى أن يذهب الأديب إلى ترديد (الماضي) دون أن تدفع به عين التفكير في حركتها إلى الأمام، كان أدبه مستذلاً تسوده النزعة التاريخية، لا يبصر قارئوه أبعد من أنوفهم؛ وإذا نظروا خلال ذلك الأدب لن يروا أمامهم إلا سراباً. وثانياً ينتاب هذا الأدب العجز في الإدراك بمعنى انعدام الخلق الوطني فيه، بأن يعمد واضعوه إلى تقليد الأجانب في أدبهم معتمدين في ذلك على الترجمة والاقتباس، فيكون بذلك