أول ما توحي به إلينا ذكرى باحثة البادية (ملك حفني ناصف) من معان وعبر، إنما هو النهضة النسائية في مصر في معناها الوطني الصادق.
فلقد كانت رحمها الله، أول فتاة مصرية حصلت على شهادة الابتدائية سنة ١٩٠٠ وعمرها إذ ذاك لا يتجاوز الثالثة عشرة، ثم انتقلت إلى القسم العالمي بالمدرسة السنية، وحصلت على شهادته العالية، وعملت مدرسة بالمدارس الأميرية.
لقد كانت باحثة البادية مثالا صادقاً ونموذجا كاملاً للفتاة المصرية في طباعها ووطنيتها! فالظرف المصري أصيل في طبعها، إذ كان يتمثل في كتابتها وفي نكتها اللاذعة التي تسعفها بها بديهتها الحاضرة وسرعة خاطرها، والتي يزينها تهكم لا مرارة فيه في مثل قولها (فما أقدر زوج الضرتين على التفنن، ولو أنصفوا لعينوا زوج كل اثنتين سياسياً أو ناظراً للمستعمرات! ولكن الذي يؤسف له أنا ليس لنا مستعمرات) وفي مثل قولها (يقول لنا الرجال ويجزمون: إنكن خلقتن للبيت، ونحن خلقنا لجلب المعاش، فليت شعري أي الفرمان صدر بذلك من عند الله؟ إنهم لو أنصفوا ولم يتحزبوا، لما عيرونا بأنا قليلات النبوغ، وأنه لم يسمع بأن إحدانا غيرت قاعدة في الحساب والهندسة مثلاً، وليتفضل أحدهم بإخبارنا عما استنبطه من تلك القواعد: فنحن نعترف لرجال الاختراع والاكتشاف بعظيم أعمالهم، ولكني لو كنت ركبت المركب مع (خريستوف كلومب) لما تعذر على أنا أيضاً أن اكتشف أمريكا).
أما وطنيتها فتتمثل في حبها لكل ما هو مصري ورفضها أن تأخذ من مدينة الغرب إلا ما هو ضروري، وبشرط أن يصبغ بالصيغة المصرية ويطبع بطابعها. كقولها:(ما أحلىالسمرة الجاذبة، ولو فهمنا معناها، إنها جميلة لأنها مصرية، ولو لم يكن فيها غير المصرية والطبيعة لكفى).
وكقولها: (إذا أردنا أن نكون أمة بالمعنى الصحيح تحتم علينا إلا نقتبس من المدنية الأوربية إلا الضروري النافع بعد تمصيره حتى يكون ملائماً لعاداتنا وطبيعة بلادنا، نقتبس