إن الكلام في علم الله يختلف كل الاختلاف عن الكلام في المعرفة عند الإنسان؛ لأن علمنا يتكون تدريجيا ونحن نصل إلى المعرفة بفضل مجهود فكري مستمر نبذله في فهم الحقائق والوقائع؛ ونمر هكذا بمراحل أدناها مرحلة الجهل وأسماها مرحلة المعرفة؛ ولكن كم تصادفنا من مراحل نشك فيها ونتردد وننعم التفكير ونجلي الأمور ونتخذ القرارات ثم نغيرها أحيانا ونتمسك بها أحيانا. وهذا التدرج في تكوين المعرفة برهان قاطع على عجز العقل البشري وعدم كماله.
وإذا ما تكلمنا عن علم الله فلا يجوز أن نقارنه بعلمنا ولا أن نحاول فهمه بتشبيهه بعلمنا لأنه لا توجد أدنى مشابهة بين المتناهي واللامتناهي ولا بين الكامل والناقص.
لذلك كان الجبائي لا يسمي الله فهيما ولا فقيها ولا موقنا ولا مستبصرا ولا مستبينا لأن الفهم والفقه هو استدراك العلم بالشيء بعد أن لم يكن الإنسان به عالما واليقين هو العلم بالشيء بعد الشك، وكل هذا يدل على والتبدل والتغير في مراتب العلم ولكن لا يوجد أي تغير في الله وهو في حالة ثبات كامل لأن علم الله هو هو أعني هو ذاته وذاته أزلية كاملة لا تغير فيها ولا تبدل.
ولما كان الله لم يزل عالما بكل الأمور فعلمه منذ الأزل كامل شامل كل شئ حصل وسيحصل. ولكن هناك مسألة بحثها المعتزلة على النظر وجاء البحث مؤيدا لقولهم بثبات علم الله منذ الأزل، وهذه المسألة هي:
هل يجوز كون ما علم الله أن لا يكون؟
ترد المعتزلة على هذا السؤال بالنفي طبعا. ولكن ذلك لا يمنعهم من تحليل السؤال تحليلا دقيقا ليبينوا استحالته. فنجد مثلا علي الأسواري يشطر السؤال شطرين هما أولا: يجوز كون شئ أعني أن الله يقدر على الشيء أن يفعله، وثانيا: الله عالم أن هذا الشيء لا يكون