. . . تطيب نفسي بقراءة بعض ما تنشره في باب الأدب والفن، لما فيك من براعة في التقاط (القفشات) وتصيد (النكات) في مجالس الأدب وتسجيلها، ولكم أثنيت عليك ودعوتك إلى المزيد من الانتباه والإتقان.
كأني بك يا صاحبي أردت إقامة دليل يقنعني بأنك (أتقنت الصفة) فعمدت إلى مداعبتي مداعبة حلوة خفيفة الروح والظل ولكن؟. . ولكنها برغم حلاوتها وخفتها، لم يكن لك فيها سوى فضل الناقل المسجل فقط، أما خلق المناسبة للنكات، وتهيئة الجو لها، ولمحها ببراعة فهو راجع (للمعداوي) مرة و (للزيات) مرات، ولإنسان آخر.
وكأني بك، مرة ثانية، أردت أن تحذو حذوي فيمن أخاصم وأصادق من الأدباءفخاصمتني، ولكنك تعثرت في الخطوة الأولى، وأزعم أن الذي يتعثر ويكبو في الخصام قد لا يهتدي إلى السبيل المؤدي إلى الفوز والنصر.
تعال معي يا صاحبي إلى صميم الموضوع بغير خصام، قلت (أني جنحت في تأبين فقيدنا العزيز علي محمود طه إلى القضايا العقلية ولم أعن بتندية كلامي بماء العاطفة)
أجل لقد جنحت إلى العقل في رثاء الصديق الشاعر الذي فقدنا صداقته وشعره، وتعمدت إبراز الصفات والسجايا والخلائق والمزايا التي عرفته بها حساً ومعنى وعدتها، ولعل صفة البوهيمية التي اجتذب بها جل أصحابه كانت أبرز صفاته وأحلاها في حياته الواقعية والخيالية، ولم أنزع إلى محاكاة الشعراء الذين عناهم فيلسوف المعرة بقوله (كذب يقال على المنابر دائما) لهذا قلت في مستهل خطابي (ما جئت أبكي صديقي الراحل) ثم ما قيمة البكاء على الميت؟ وهل إذا نديت كلامي بماء العاطفة كنت أضفت صفة جديدة إلى الصفات التي اجتمعنا للاحتفال بها، أو أن الاحتفال لا يكون ذا قيمة بغير دموع؟ إن البكاء صناعة يعرفها الشعراء البكاءون الندابون. . . الحريصون على استبكاء الناس في المآتم حرصهم على استضحاكهم في الأفراح. ألم تسمع يا صاحبي إلى شاعر من شعراء تلك الحفلة وقد عتب على الله كيف انتزع الورد - أي علي محمود طه - وسأله سؤال اللائم لماذا أبقى على (الشوك) أي على جميع من بقي يمشي على الأرض بعد موت الشاعر!!