كان حظ ارليش من التوقر والرزانة حظ الفقير المعدم، وذلك من حيث سلوكه ومن حيث آراؤه سواء سواء. أما من حيث سلوكه فكان يرسم صوراً من نظرياته في أي مكان اتفق على كم قميصه وعلى نعل حذائه؛ وكان يرسمها على صدر قميصه فستصرخ زوجته، أو على صدر قميص صاحبه إذا خان الحظ هذا الصاحب فلم يستطع أن يفلت قبل أن تقع الواقعة. انعدام فيه الحس بالذي يليق والذي لا يليق فكان كولد صغير أولع بالأذى. أما من حيث آراؤه فكان يقضي الأربع والعشرين ساعة التي يحتويها اليوم يتخيل الأسباب الغريبة المستحيلة ليفسر كيف يتحصن الإنسان من الأدوء، أو كيف نقيس الحصانة، أو كيف تنقلب الصبغة إلى رصاصة مسحورة؛ وخلف وراءه صوراً من هذى الخيالات تجدها في كل بقعة وناحية
وبالرغم من هذا كان أدق الناس في التجارب التي يجربها وكان أول من رفع عقير بالتسخط على صُيَّاد المكروب لتخبطهم في طرائق للبحث مهوشة ولتوقعهم كشف الحقائق العاصية بمجرد سكب شيء من هذا على شيء من ذاك. وفي طلب الدقة قتل إرليش في معمل كوخ في تجربته خمسين فأراً حيثما كان يكتفي من قبله بقتل فأر واحد، وذلك لاستخلاص قوانين بسيطة سهلة تتعبر بالأرقام في سهولة خال أنها تفسر لغز الحصانة وسر الموت والحياة. وهذه الدقة التي لم تنفعه في حل هذه الطلاسم أعانته أخيراً على اصطناع رصاصته المنشودة
- ٣ -
هكذا كان إرليش مرحاً فرحاً متواضعاً لا يفتأ يجد النكتة عن نفسه، ويولد الفكاهة من سخافته فينطلق بها لسانه غير باسم ولا هازل، وبهذا كسب الأصدقاء كسباً هينا. وكان ماكرا، فقصد إلى أن يكون بعض هؤلاء الأصدقاء من ذوي الجاه والنفوذ ولم يلبث أن