حج عبد الملك بن مروان بالناس في السنة التي ولى فيها الحجاج العراق وأخمد المهلب حركة الأرازقة، وحج في السنة نفسها صالح بن مسرح وشبيب بن يزيد وغيرهما من خوارج الموصل. فحاول شبيب أن يفتك بعبد الملك بن مروان فكتب عبد الملك إلى الحجاج بالخبر وطلب إليه أن يناهض هؤلاء الخوارج الفتاك. فهب الحجاج سريعاً يطارد القوم مطاردة فيها الشيء الكثير من العنف والشيء الكثير من الاعتداد بالنفس والاستهتار بالخصم. فتململ الخوارج في مخابئهم وتحفزوا للوثوب، وكان صالح بن مسرح الرجل التقي الورع معلمهم ومرشدهم؛ فقال لهم ذات يوم: ما أدري ماذا تنتظرون وحتى متى انتم مقيمون؟ هذا الجور قد فشا وهذا العدل قد عفا ولا تزداد هذه الولاة على الناس إلا عتواً وتباعداً عن الحق وجرأة على الرب؛ فاستعدوا وابعثوا إلى إخوانكم الذين يريدون إنكار الباطل والدعاء إلى الحق مثل الذي تريدون فيأتونكم فنلتقي وننظر فيما نحن صانعون وإن خرجوا نحن خارجون).
أذاع صالح بن سرح بيانه هذا على أصحابه فكان كالنار أصابت مواد ملتهبة فانفجرت عواطف الخوارج وثارت عزائمهم للنضال وكان أشد الجماعة حماسة وأسرعهم تلبية شبيب بن يزيد؛ فقد أرسل إلى صالح كتاباً يقول فيه أما بعد: - فقد علمت أنك كنت أردت الشخوص، وقد كنت دعوتني إلى ذلك فاستجبت لك. فإن كان ذلك اليوم من شأنك فأنت شيخ المسلمين ولن نعدل بك منا أحداً، وإن أردت تأخير ذلك اليوم علمتني فإن الآجال غادية ورائحة، ولا آمل أن تخترني المنية ولما أجاهد الظالمين.
فياله غبناً وياله فضلاً متروكاً، جعلنا الله وإياك ممن يريد بعمله الله ورضوانه والنظر إلى وجهه ومرافقة الصالحين في دار السلام، والسلام عليك).
أخذ صالح كتاب شبيب القوي الحازم فصمم على العمل تصميماً قوياً حازماً وبعث إلى شبيب بعزمه وتصميمه واستدعاء بقوله: ولم يمنعني من الخروج إلا انتظارك فأقبل إلينا ثم اخرج بنا ما أحببت فإنك ممن لا يستغني عن رأيه ولا تقضى دونه الأمور.
نهض شبيب للعمل بذلك الإيمان الراسخ وتلك العزيمة الصادقة والهمة العالية والإرادة