القوية فبعث إلى نفر من أصحابه الأبطال المغاوير فجمعهم إليه ثم خرج بهم حتى قدم على صالح أبن مسرح، فلما لقيه قال له: اخرج بنا رحمك الله فو الله ما تزداد السنة إلا دروساً ولا يزداد المجرمون إلا طغياناً. فبث صالح رسله في أصحابه وواعدهم الخروج في هلال صفر ليلة الأربعاء سنة ست وسبعين للهجرة فاجتمع بعضهم إلى بعض وتهيئوا للخروج وجيوش الحجاج في أعالي العراق بقيادة صالح وما زال القتال يشتد ويعنف بين الفريقين حتى سقط صالح قتيلاً في معركة حامية الوطيس جرت بين الخوارج وجنود الحجاج بالقرب من الموصل.
هذا موقف عسكري دقيق لا ينتج إلا أحد أمرين: أما أن ينهزم هؤلاء المتحمسون بعد مقتل مرشدهم الروحي وقائد هم العسكري صالح بن المسرح؛ وإما أن يقيض الله لهم رجلاً منهم يفرغ في نفوسهم الصبر والاحتمال والشجاعة والتضحية على قتلتهم وكثرة عدوهم فيصمدوا للقتال فينتصروا أو يفنوا عن أخرهم. ليس في الجماعة أحق من شبيب بهذا الأمر فهو المؤمن الصادق والقائد الشجاع وصاحب الرأي الموفق الذي لا يستغني عنه ولا تقضى دونه الأمور. قتل صالح في الميمنة وصرع شبيب عن فرسه بالقرب منه فوقع ولكنه نهض فشد على خصومه شدة قوية حتى انكشفوا فذهب إلى صالح فألفاه قتيلاً. هنا في هذه اللحظة الدقيقة الرهيبة ظهرت عبقرية شبيب وبطولته ولمثل هذه اللحظات الدقيقة الرهيبة يدخر الله العباقرة من عباده. نادى شبيب: إلي يا معشر المسلمين، فلاذوا به فقال لهم: ليجعل كل واحد منكم ظهره إلى ظهر صاحبه وليطاعن كل واحد منكم عدوه إذا أقدم عليه حتى ندخل الحصن ونرى رأينا. ففعلوا ذلك حتى دخلوا الحصن وهم سبعون رجلاً فكان دخولهم هذا نصرا بالنسبة لموقفهم الدقيق أمام جيش الحجاج الجرار. ولكن قائد جيش الحجاج أبى أن يتركهم معتصمين في الحصن بل أمر رجاله أن يحرقوا باب الحصن تمهيداً للفتك بهم فأحرق الباب حتى صار جمراً لا يمكن الخروج منه، فتنبه شبيب للأمر وأمر رجاله أن يتهيئوا لاقتحام النار المشتعلة ومداهمة الجيش المرابط أمام الباب، فتحمس الأبطال لهذه الخطة الخطرة وصمموا على تنفيذها ولكنهم التفتوا إلى شبيب وقالوا له ابسط يديك نبايعك، فبايعوه واقتحموا النار المشتعلة وخرجوا من الحصن فلم يشعر الجند المرابط إلا وشبيب وأصحابه يضربون بالسيوف في جوف الجيش فقتل قائد جيش الحجاج،