فاحتمله أصحابه وانهزموا به. فكان هذا الجيش أول جيش من جيوش الحجاج المتعددة التي هزمها البطل شبيب بن يزيد بن نعيم الخارجي. وصلت أخبار الهزيمة إلى الحجاج فأقلقته وأثارت مخاوفه. رأى أن الأمر جد لا هزل فوجه إلى شبيب جيشاً ثانياً ولكن شبيب لجأ هذه المرة إلى الحيلة الحربية البارعة فتظاهر أمام جيش الحجاج بالانسحاب بعد أن أكمن له كميناً فانخدع الجيش ولحق بشبيب غير عالم بالكمين، وما كاد يجتاز الكمين حتى عطف عليه شبيب فاشتبك معه وصاح به الكمين من ورائه فدب الرعب في جيش الحجاج فانهزم شر هزيمة. ظهرت شخصية شبيب الحربية بعد هذه المعركة ظهوراً أوقع الرعب في قلب الحجاج وقلوب رجال جيوشه من جهة، ومهد لاتساع حركة شبيب وزيادة أنصاره من جهة أخرى؛ فراح الحجاج يعبئ الجيوش من فلوله المهزومة ويقذف بها في وجه شبيب فيستقبلها شبيب بما آتاه الله به من أيمان بالنصر وقدرة على القيادة وشجاعة في القتال فيهزمها ويشتت شملها. وظل الحال كذلك: نصر متواصل لشبيب، وخذلان مستمر لجيوش الحجاج، مما شجع شبيباً على طلب الكوفة مقر إمارة الحجاج وقيادته. فعزم شبيب على أن يدخل عرين الأسد فوجه إليه همته وجعل الكوفة هدفاً له يعمل في سبيل الحصول عليه جهده.
تحفز شبيب للوثوب على الكوفة فانخلعت قلوب حماتها والذائدين عنها؛ ولم تلبث الكوفة أن أصبحت تارة في يد الحجاج وتارة أخرى في يد شبيب يتجاذبها البطلان تجاذباً قوياً عنيفاً اضطر الحجاج أن يطلب المدد من الشام ليدفع به شبيباً عن الكوفة دفعاً قوياً حاسماً، فجاء المدد وكانت المعركة الكبرى. جيوش العراق والشام وعلى رأسها الحجاج وخيرة قواده، والخوارج وعلى رأسهم شبيب وصفوة أعوانه. انقض الخوارج على خصومهم انقضاض الصواعق فاستقبلهم خصومهم استقبال الجبال الراسية. وفي هذا الهجوم والدفاع أبدى شبيب ورجاله من ضروب الشجاعة وفنون القتال معجزات باهرات، وأبدى الحجاج وقواده من ضروب الإدارة وأساليب الحزم والسياسة في القتال آيات بينات، ولكن شبيب قد انهزم في هذه المعركة التي لم يهزم قبلها في حياته وكان من أمره أن سقط في النهر فمات غريقاً. قيل كان شبيب ينعى لأمه فيقال لها قتل شبيب فلا تصدق، فلما قيل لها هذه المرة إنه غرق صدقت وقالت إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب من نار فعلمت أنه لا