عندما طلب إلي نادي المعلمين إلقاء محاضرة عامة في هذه القاعة خطرت على بالي موضوعات عديدة، اخترت منها موضوع (الاستعمار والتعليم) ولما ذكرت هذا الموضوع في حديث لأحد أصدقائي اعترضني بقوله: (لم اخترت هذا الموضوع وقد تخلصنا من شبح الاستعمار؟) فقلت له حقاً لقد تخلصنا من الاستعمار ولكن بلادنا في اتصال ببلاد لا تزال تلعب فيها أيدي الاستعمار. ولا يسوغ لنا وهذه هي الحال أن نتغاضى عما يضمره الاستعمار من الكيد للأمم المستضعفة؛ زد على ذلك أن للاستعمار أساليب خداعة، فقد عرف المستعمرون كيف يدسون أساليبهم هذه تحت أستار جذابة قد تفوت المرء لأول مرة قبل أن ينفذ إلى دقائقها. وأخشى أن بعض هذه الأساليب قد يصل إلينا ويتسرب إلى أذهاننا وينخر في جسمنا من غير أن نشعر به وننتبه إلى منابعه. لذلك وجب علينا كأمة فتحت عينيها للحياة أن تهتم بهذه المباحث وتمعن في درسها.
لقد أخذ الأوربيون بعد الحرب العظمى يهتمون بسياسة التعليم تنفيذاً لأغراض الاستعمار. وقد عقدوا مؤتمرات عديدة - بعضها قومية وبعضها أممية - للمداولة في هذه الشؤون، وخليق بنا أن ندرس سياسة الاستعمار من حيث علاقتها بالتعليم، ولهذه الملاحظات جئت أتتحدث إليكم هذا المساء عن (الاستعمار والتعليم).
تتعلمون أيها السادة أن كل نظام تعليمي يتكيف عادة بمطالب السياسة العامة، لذلك لا بد لنا ونحن نبحث هذا الموضوع أن نعرف أهداف الاستعمار لنصل إلى أهداف السياسة التعليمية فيه. فلننظر ما هي غاية الاستعمار.
لقد اعتاد علماء الاجتماع أن يقسموا المستعمرات إلى ثلاثة أصناف أساسية من حيث الغايات المتوخاة من الاستعمار وهي:(١) مستعمرات الاتجار (٢) مستعمرات الاستغلال (٣) مستعمرات الاستيطان.
يبدأ المستعمرون عادة بالاستعمار التجاري، فيختارون ميناء أو نقطة جغرافية مهمة في بلاد ما، فيؤسسون فيها مستعمرة صغيرة يتخذونها مركزاً للاتجار، ومن هذا المركز يعقدون