وهنالك عنصر لا يمكن إغفاله في تطور هذا المعترك، هو عنصر الدبلوماسية السرية؛ وقد بلغت الدبلوماسية السرية ذروتها قبيل الحرب الكبرى وفي خلالها، وكانت مبعث طائفة من المفاجآت والتطورات الخطيرة التي غيرت مصاير الحرب، ولم ينقطع هذا العنصر السري في الدبلوماسية الأوربية عن العمل في أي وقت، ولكنه هدأ قليلاً عقب الحرب، أمام اضطرام صيحات السلام والتفاهم الدولي؛ بيد إنه يستعيد الآن كل أهميته القديمة، وإذا لم يكن من المستطاع أن نتلمس آثاره الآن في المعترك الأوربي، فإنه بلا ريب سيحدث أثره في الوقت المناسب. وعلى أي حال فإن السياسة الصريحة لم تكن يوما عماد دول عسكرية استعمارية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا؛ وقد رأينا كيف لعبت المساعي السرية دورها في سلخ إيطاليا عن التحالف الثلاثي أثناء الحرب الكبرى فمثل هذه المساعي يبذل اليوم من جميع النواحي، وإيطاليا ما زالت تقف بين الخصمين القديمين - ألمانيا وفرنسا - في مفترق الطريق، ولا ريب أن المستقبل فياض بمختلف التطورات والمفاجآت