للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من الحياة البائدة]

للآنسة أسماء فهمي درجة الشرف في الآداب

على ضفاف (بحر يوسف) حيث قام في العصور السحيقة قصر (التيه) أو (اللابرنته) وفي وسط الحقول النظرة ظهر في جلال على ربوة تناثرت فوقها نباتات برية مزدهرة يقوم قصر آل عباد الفخيم. ولم يشأ القصر أن ينسجم مع ما يحيط به من بساطة فأغرق في الزخرف والزينة وأبى إلا أن يجمع بين إسراف الفن القوطي من تماثيل رمزية وأبراج، وروعة الفن العربي من نقوش وعمد، فبدا وكأنه الحسناء التي طمعت أن تزداد حسناً فأسرفت في الزينة والتبرج، فهوى جمالها النظر في خضم من الأصباغ والمساحيق الجامدة. . . ولكن سكان القصر واغلب زائريه كانوا يقفون مبهوتين أمام فخامته، لأن البذخ والإسراف كانا لديهم مقياس الفن والجمال.

ولم يكن داخل القصر بطبيعة الحال اقل زخرفا أو إغراقاً في التجمل من خارجه. وكان المبدأ الذي أتبع في تأثيث القصر المنيف هو اقتناء أثمن الأشياء من بلاد الشرق وممالك الغرب وتكديسها في الغرف دون مراعاة لما بين أنواعها من تفاهم أو تنافر، والواقع أن أثاث المنزل كان دوليا بكل ما في الكلمة من معنى التباين والتنافر! وسكان الدار؟ كانت أيضاً خصالهم وعاداتهم خليطاً من صفات الشعوب في عصور التاريخ المختلفة، فلقد جمعوا بين ديمقراطية العرب وسخائهم وتعصب أهل القرون الوسطى في الدين واحتقارهم للمرأة، وبين زخرف القرن الثامن عشر وانغماسه في التزين , وأضافواإلى كل ذلك تفانى أهل القرن العشرين في عبادة المادة. .

وكان رب هذه الدار عميد آل عباد الشهيرة في الفيوم شيخاً مسناً معروفاً بالتقى والكرم في عناد وصلابة. ولكن على الرغم من تقواه كان لا يتورع من أن يزيد في ثروته الطائلة بأي وسيلة تصادفه، وكان إذا اصبح الصباح بادر بالجلوس على حصير متواضع في أحد أجرانه الفسيحة، وسرعان ما يجتمع حوله فلاحوه واتباعه يبسطون أمامه خصوماتهم ومشاكلهم فيقضي بينهم في وقار وحزم كما كان يفعل النبيل في عهد الإقطاع. . حتى إذا ما حان وقت الغداء، أمر بإعداد الموائد للاتباع والفقراء، ويأبى السيد إلا أن يأكل معهم برغم احتجاج أبنائه الذين أخذوا بقسط من مظاهر المدنية الحديثة، ودرسوا علم الجراثيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>