الاجتماعية ووقفوا على أن الفقراء والمعوزين من أفتك أنواعها! ولكن الشيخ كان يرد على مثل هذا الاحتجاج باسماً قائلاً: إن الفقراءأحباب الله. . وإذا ما نادى مناد للصلاة هرول الشيخ إلى مسجد القرية تتبعه جموع الرجال. وقد أدى ورع السيد إلى تورع الأتباع حتى أكثر الأشقياء جبروتاً وعتواً. .
أما زوجة السيد فلم تكن على شيء من نشاطه وبساطته؛ قضت حياتها كلها قعيدة دارها لم تخرج منه إلا يوم وفاة أمها من أكثر من عشرين عاما. وكانت على جانب عظيم من البدانة لا ترتدي من الأثواب غير الحرائر النادرة التي يطول ذيلها أمتاراً وراءها. . وتحمل حول عنقها وأناملها ومعصميها وفي أذنيها أرطالا من اللؤلؤ والماس والذهب، فضلا عما أكثرت من الأصباغ المختلفة الألوان في الرأس والوجه واليدينوالقدمين فغاصت شخصيتها في ضخم من المساحيق والحرائر والجواهر. . وبدت في مجلسها كصنم هائل تكدست فوقه قرابين الحلي والجواهر وضعت حيثما اتفق لإرضاء عاطفة الورع.!
وقد كانت بطبيعة الحال لفرط بدانتها وثقل أحجارها الكريمة بطيئة الحركة تشتد ضربات قلبها لأقل مجهود، وقد ترتمي على مقعدها إعياء لمجرد محاولتها النهوض، فيأتي رهط من الخدم للأخذ بيدها وإنهاضها كما لو كانت عجوزاً شمطاء قد قطعت شوطاً بعيداً في طريق العدم.
وعلى مقربه من الأم كانت تجلس أبنّتها (سمر) وهي غادة هيفاء لولا ضعفها البادي وشحوبها لما بخل عليها حتى أقسى حسادها بوصف الحسن الرائع، ولكنها كانت كالزهرة التي أقصيت عن الضوء والهواء فذبلت وتهدلت أوراقها. ولم تحاول الفتاة أن تخفي الشحوب بالأصباغ (وإن قد اجتهدت في إخفاء النحول بكثرة الكرانيش والذيول) لأن ذلك العهد لم يبح للمرأة أن تتجمل إلا إذا كانت ذات بعل. . أما المذهب الذي يدعو إلى الاهتمام بالفن للفن، فلم يكن مألوفاً عند بنات ذلك العصر، وإنما من مستحدثات هذا القرن!
كرت الأعوام على هذه الأسرة والحياة تسير على وتيرة واحدة لا تنوع فيها إلا تغيير أنواع الطعام الكثيرة، وتبديل الملابس والجواهر التي اكتظت بها الصناديق والخزائن - ولكن لم تلبث الأيام التي تلد العجائب أن تمخضت عن حادث هام أدخل في حياة الأسرة الراكدة انتعاشاً وجدة. . وحول تفكيرها إلى مجرى غير مجرى الطعام والشراب والملبس. . فلقد