خطب الشاب مراد ابنة عمه (سمر) إلى أبيها، وقبل الشيخ عباد راضياً مسروراً، لأن مرادا كان يمتاز بأسمى صفات الرجولة من نبل وشجاعة وقوة فوق جاهه العريض وجماله. وقد فرحت الفتاة سمر عند وقوفها على هذا النبأ، لأن مراداً كان رفيقها في عهد الطفولة، وهي وان كانت لم تره منذ زمن بعيد كانت تسمع الكثير عن خصاله وجماله.
وكانت الأم منذ إعلان الخطبة لا تطيق ابتعاد ابنتها عن مجلسها، وفي ذات يوم فاضت عاطفة الأم عند ما تذكرت انه لم يبق على زفاف ابنتها سوى أيام قلائل، فجّرت نفسها نحوها بمجهود غير يسير، ووضعت ذراعها الغليظة حول جسم الفتاة النحيل، وقالت وهي تلهث من التعب: - أواه يا ابنتي! عما قليل ستزفين إلى ابن عمك مراد، لا يحزنني أمر فوق ما يحزنني منك هذا النحول. . أتوسل إليك يا سمر أن تأكلي وتشربي كل ما آتيك به. . وليس هناك من دواء للنحول كشرب كوبه من السمن الخالص أو المحلى بالعسل كل صباح وكل مساء. . انظري إلى أمك! إنها لم تستمتع بهذا الهيكل العظيم من اللحم الذي يحسدها عليه جميع نساء آل عباد إلا بفضل هذا الدواء الناجع الذي أشير به عليك الآن. .
فقالت الفتاة وقد توردت وجنتاها حياء لذكر موضوع الزفاف، آسف لإيلامك يا أماه. . سأحاول مرة أخرى تعاطي هذا الدواء، ولكني أوثر البقاء بجانبك طول الحياة. . . إني لأرتعد فرقا عندما أفكر أني سأغادر هذه الدار المحبوبة قريبًا لأذهب إلى دار غريبة لا أعلم من أمرها أو من أمر ساكنيها إلا ما أسمعه من أفواه الرواة. . أني لم أر عمي (قاسما) إلا مرات معدودة، كنت فيها لا أجسر على مخاطبته أو النظر في وجهه استحياء. . أهوَ طيب القلب يا أماه؟ وزوجه؟ أحقاً ما نسمعه من أنها شديدة الورع؟. .
أجابت الأم وهي تحاول إخفاء تأثرها: عمك يا ابنتي كأبيك نبيل كريم. أما زوج عمك فهي شديدة التقى كثيرة التعبد، ولكن ذلك قد لا يمنعها من أن تتصف برذائل الحماة. . وما أدراك يا سمر ما الحماة. . إنها نار الله الموقدة، أو أحد شياطين الجحيم المردة. . أني يا ابنتي لم أتذوق طعم الحياة الرغيدة إلا بعد أن ماتت حماتي!
ارتعدت فرائص الفتاة عند سماع هذا القول وأبرقت عيناها ببريق الكره والخوف معاً، وقالت والعبرات تكاد تحبس صوتها: - وماذا أنا فاعله يا أماه؟. .
اخضعي لحكم القدر، واستعيني برب الفلق على شر ما خلق!. .