(. . . وقول الحق أمثل من السكون، واستقامة العالم لا تكون، ولذة الدنيا منقطعة، وخبر الميت غير جلي إلا أنه قد لقي ما حذر، فاسع لنفسك الخاطئة في الصلاح. . .)
ومن مظاهر هذا التفكير ما انتهى إليه من نظرته في الجبر.
وأول ما يمكن أن نصادفه من هذا التفكير مشكلة خلق الأعمال ومشكلة التكليف وأمر البعث. فإن المسألتين الأخيرتين نتيجتان مباشرتان لمشكلة خلق الأعمال تتأثران بها سلباً وإيجاباً. فإذا ما أثبت للإنسان خلق الأعمال صحت إذن تعاليم الأديان بشأن القيامة والحساب، وإذا أثبت ذلك لله سقط التكليف عن البشر وانهدمت في رأي العقل والعدل فكرة الحساب والعقاب. ويبدو أن هذا ما يميل إليه أبو العلاء، وإن لم يصرح به تصريحاً. وهو كما نعلم قد أسلم قيادة للعقل، وعقله أدان بالجبر المطلق فلم يكن من الحق في شيء أن يثبت بعثاً ولا تكليفاً ما دام قد أثبت الجبر في الأعمال. بل كان العقل يقضي صراحة بالرفض إلا إذا كان البعث والحساب جبراً كذلك، وهذا ما لم يفعله أبو العلاء منزهاً الله عما يراه من عبث
يرى المعري نفسه مجبوراً على أن يفعل ما يأتيه لا خيرة له والقدر من حوله (أخو الحياة) فيقول: (كذبتْ النحاةُ أنها تعلم لما رفع الفاعل ونصب المفعول، إنما القوم مرجمون، والعلم لعالم الغيوب، خالق الأدب والآداب) فهو لا يرى أن القائم بالفعل هو الفاعل الظاهر؛ وإنما الفاعل شيء آخر (بيده نواصي العباد، لا يخرج بما يقضيه الجمد ولا الحيوان، ولا يفعل إلا ما رِضي وشاء، وغير متعلق به الزيغ والخطأ، ولا شيء من الدنيات) هذا الشيء يخشى أن يصفه بصفة ما (وإن فعلت خشيت التشبيه، وأشركتُ الضعفة العاجزين، مع القوي القادر في بعض المقال إذا قلت فعل الأول وفعل النعمان، وهيهات ما أبعد بين