الفعلين) وقد يبدو هنا أنه أسند إلى النعمان فعلاً قام به ابتداء منفصلاً عن الأول كما يشعر بذلك قوله:(ما أبعد بين الفعلين) ولكن ما الرأي وهو يرى عكس هذا، ويصرح به في نصوص صريحة لا تحتمل الشك ولا التأويل نحو قوله:(وعملي مكتوب مكلوء، مقترى بالحفظ ثم مقروء، وثوب الحياة عني مسروء، وغير القدر هو المدروء، لا يبعد عني السوء، أهُّم بالخير وأهوء، والأقدار دونه معترِضات) فهل رأيت إلى ذلك المكتوب؟ ومحاولته فعل الخير فلا تمكنه من ذلك الأقدار لأن الذي قدرها لم يقدر له أن يفعلها؟ فيغضب أبو العلاء لذلك ويصيح أن (لو كانت المناقشة في غير عالم المستودعات لتمنيت أن تُلقي إليَّ صحيفة العمل فأضرب على ما ضمنته رُجاة الإضراب) ولكنه يائس من ذلك؟ (هل يعصمني الاجتهاد وقد سبق حكمه أنى من أهل الخسار، أم يضرني التقصير وقد نفذ علمه أنى في درجة الأبرار)
وقد يعترض على ذلك بان أبا العلاء نصح بأن (اترك المضلة إلى المرشدة؛ فإن طرق الخير كثير) وقال: (ما يمنعك أن تخيَّر القسى وأنت في بلاد الضال؟) ولكنه رد فيما أوردت على ما يمنع المرء أن يترك هذا إلى ذاك أو أن يتخير القسى.
فالأعمال إذن حكم مقدر على المرء، لا يستطيع أن يحيد عنه، ولا أن يعدل إلى غيره. وما معنى أن يعدل المرء عن (حكم) إلى (حكم)؟ وهو يذهب إلى ما ذهب إليه في مسألة الأرزاق من أن الأحكام تجري على نهج غامض كذلك، لا يدرك أو يعلل، كما جرت الأرزاق على نفس الغموض والإبهام.
ولا يمكن أن تجد عند أبى العلاء علة يقنعك بها أو يقنع نفسه. وإنما العلة لديه أن (الناس أربعة نفر: مسعود نحس فهو المرحوم، ومنحوس سعد فهو المحسود، ومولود بالسعادة إلى أن يموت فذلك المكرم المرموق، وثابت على الشقوة فذلك المُطَّرَح المرفوض.)
وهو يمضي بعد ذلك إلى استخلاص الحكم في هذه القضية، وينظر ما يشير به العقل، فهو يتساءل ما دام كل شيء بحكم الله وقدره (فهل أثم قَيْنُ فتق خشبة مشرفي كأنما درجت عليه بنات الجثل والدعاع. . . فلما تم وكساه الأديم ورواه يمثل ذؤاية الوليد وذلك بعلم الله. . . . . . . . . مرت رفقة من التجر في أعقابهم طالب رزق يقوم الليل ويصوم النهار، فوثب الداعر فضرب عنق جارمة عيال فما تطعم عيونهم من جثاث؟) وهو يعرض