العقل أساس الدين ومنبع العلم ومطلعه، وهل تقدم علم وازدهر فن إلا على أساس العقل؟ وهل يستقيم بلا عقل؟ وهل يعرف إنسان ما أمر الله به وما نهى عنه إلا بالعقل؟
وعلى أساس العقل شرعت الشرائع وسنت القوانين وقامت الحضارات وامتدت المدنيات. لهذا لا عجب إذا ورد ذكره في كتاب الله وعلى لسان نبيه الكريم. فقد شرف الله العقل وأعلى مكانته، وعظم الرسول العقل وقدس حرمته. ومجده الفلاسفة والحكماء والعلماء فصرفوا جهودهم إلى إعلاء شانه بالبحث فيه والرجوع إليه
لقد احل القرآن العقل منزلاً سامياً وجعله نوراً يهدي به الناس وطالبهم باستعماله والتحاكم إليه وسماه نورا في قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة. . .) وسمى العلم المستفاد منه روحاً ووحياً فقال تعالى: (وأوحينا إليك روحاً من أمرنا. . .) وقال: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس. . .).
وحين يجادل القرآن الماديين والدهريين وأرباب الملل والنحل إنما يجادلهم بل البرهان ويدعوهم إلى إنعام النظر والفكر، يتجلى ذلك في قوله تعالى:(لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل. أولئك هم الغافلون.) وقد حمل القرآن على المقلدين الذين يعطون عقولهم ولا يستعملونها، فقال في موضع (إن شر الدواب عند الله الصم البكم العمى الذين لا يعقلون) وقال في موضع آخر. (أفأنت تهدى العمى ولو كانوا لا يبصرون) وكثيراً ما وردت آيات تنتهي بهذه الجوامع (بل أكثرهم لا يعقلون)(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، أفلا تسمعون؟ إنما يتذكر أولوا الألباب، وفي أنفسكم أفلا تبصرون. . ولم يقف القرآن عند هذه الحدود، بل أمر بإحسان استعمال السمع والبصر والعقل حتى يهدي الإنسان عن طريقها إلى الحق والحقيقة، ويكون الحق واضحا عنده والحقيقة ثابتة لديه: قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك من علم أو إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا. . .)
وفي هذه الآية الجامعة الكريمة أصول رئيسية في المتعبة في أصول النظر العلمي، فلقد أمر بالمشاهدة الصحيحة والتفكير الصحيح، وأن على الإنسان أن يتمسك بما يصل إليه من