في شهر واحد عرضت دور الصور المتحركة بالقاهرة روايتين متشابهتين في كثير من السمات والمعاني، وإن كانت إحداهما في باريس والأخرى في بتروغراد، أو كانت إحداهما في القرن الثامن عشر والأخرى في القرن العشرين، أو كانت إحداهما عن لويس السادس عشر والأخرى عن القيصر نقولا الثاني
كتبنا مقالنا الماضي بالرسالة عن (مارى أنطوانيت) فلم تمض أيام حتى شهدنا رواية (راسبوتين والقيصرة) وشهدنا كيف تتشابه الحوادث والنكبات، وكيف يصدق في بعض الأحايين قول من قال إن التاريخ يعيد نفسه، وإن كانت الإعادة لا تخلو من تبديل وتنقيح: شيمة الراوية الماهر الذي لا يعيد القصة الواحدة مرتين بأسلوب واحد!
في مأساة لويس السادس عشر ومأساة نقولا الثاني مشابه كثيرة يرجع بعضها إلى المصادفات وبعضها إلى تشابه النتائج عند تشابه الأسباب
فكانت لكليهما ملكة أجنبية من أصل ألماني، وكانت لكلتا الملكتين يد في الكارثة التي حاقت بالرجلين، وكان التاريخ في كليهما يجرى على سنة (الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون) ولا يعمل بآية العدل في القرآن الكريم: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
فقد كان نقولا الثاني مظلوماً فيما أصابه كما كان لويس السادس عشر
كان كلاهما طيباً رؤوفاً يريد الخير لشعبه؛ وكان نقولا الثاني محباً للسلام ينادي بالتحكيم في الأزمات الدولية؛ وكان يجنح إلى مشاركة الأمة إياه في تبعات الحكم ما استطاع، وكان منقاداً لمن حوله كما كان لويس من قبله، ولم يكن مشاكساً ولا بطاشاً يحب الفتك وسفك الدماء، ولكنه جاء في زمن وبيل فأصابه وبال الزمن وأخذه مع التيار الجارف الذي لا يتأنى ولا يتدبر في حكمه على الجناة والأبرياء
ليست هذه هي المشابهات الهامة في تاريخ الرجلين المظلومين، فربما كانت أو كان معظمها من أثر العوارض والمصادفات، ولكن المشابهة العظمى هي تلك (الحالة العقلية) التي تحيط بالعوالم المنهارة والدول الدائلة والكواكب الآفلة، ونعني بها العهود التي تجمع بين الأدبار والإقبال وبين النظر إلى الغيب والخوف من الحاضر وقلة الاطمئنان إليه