في تلك العهود يحس الناس أنهم ضعاف عاجزون، لأن زمام الحوادث يفلت من أيديهم وتيار الحوادث يجرفهم على غير إرادتهم إلى غير الطريق الذي يختارونه لأنفسهم، فهم من أجل هذا الإحساس بالعجز والضعف ينظرون إلى الغيب ويتطلعون إلى عالم الأسرار ويؤمنون تارة بالقديسين وتارة بالمشعوذين، على قدر نصيبهم من العلم والبصر بحقائق الحياة
وفي تلك العهود يضمحل الأمل ويغلب اليأس ويبطل الإيمان بالمثل العليا والصفات الرفيعة فيقبل الناس على المتعة والسرور، ويأخذون من الحاضر كل ما يعطيهم من اللذة واللهو، لأنهم لا يرجون غداً ولا يركنون إليه
وقد تجمع النفس بين النقيضين: فهي مغراة بالشعوذة والنظر إلى المغيبات المجهولة، وهي مغراة باللذة في حاضرها؛ لأن الحاضر بغير شاغل من الشواغل لا يطاق في أمثاله تلك الأزمان
إنما المراجع في طلب الغيب وطلب اللذة معاً إلى سبب واحد، وهو أن الحاضر مشؤوم والمستقبل غير مضمون، والإنسان بينهما عاجز عن التصرف بمشيئته فيما يزاول من كبار الأمور وصغارها على السواء
من أجل هذا ظهر (كاليسترو) الدجال الأعظم في عهد لويس السادس عشر
ومن أجل هذا ظهر (راسبوتين) الدجال الأعظم في عهد نقولا الثاني
وكلاهما دليل على تشابه الحوادث والدوافع النفسية بين بني الإنسان وكلاهما دليل على أن التشابه في بني الإنسان لن يمحو الفوارق بين الشعوب، ولن يزيل الخصائص القومية التي اشتهر بها كل شعب من تلك الشعوب
فراسبوتين لم يكن يصلح في مكان كاليسترو. . . وكاليسترو لم يكن يصلح في مكان راسبوتين
راسبوتين ظهر بين الروس وهم أمة لا شرقية ولا غربية، لا مؤمنة كل الإيمان بالدين، ولا مؤمنة كل الإيمان بالوثنية، لا متحضرة بحضارة العلم الحديث، ولا مستغرقة في البداوة أو جهالة القرون الوسطى
فظهر لما ظهر بين هؤلاء القوم برسالة من الدين ومن الوثنية في وقت واحد، أو برسالة