قال لي صاحبي: أما تفتأ هكذا ساخطا على جميع المظاهر والأوضاع؟ أرح أعصابك يا أخي، ودع الخلق للخالق. انه لا فائدة. لا فائدة من كل هذه الصرخات!!!
قلت لصاحبي: أما أنا فسأظل ساخطا، أعلن سخطي على كل شائه من المظاهر والأوضاع. ولن أدع الخلق للخالق، لان الخالق هو الذي يقول:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون) ويصف قوما ضعفوا واضمحلوا فيقول عن سبب الاضمحلال: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون!) وأما انه لا فائدة هناك، فأنا لست يائسا ولا متشائما، واعتقادي الكامل إن هذا الكون الوسيع لا يضيع صوتا واحدا ينطلق فيه بدعوة الحق، ولا بد أن يردد صدى هذا الصوت في يوم من الأيام، طالت أو قصرت به الأعوام.
وقلت لصاحبي: إنه لو وكل إليّ الأمر لأنشأت ضعف هذه المدارس التي تنشئها الدولة لأعلّم فيها هذا الشعب شيئا واحدا هو السخط! السخط على الأوضاع والمظاهر الشائهة التي تسيطر على حياة هذا الجيل في كل اتجاه. فالسخط هو دليل الحيوية الكامنة، والرضى بهذه الحال المائلة هو نوع من اليأس والتشاؤم يقتل الأمم أو يؤدي بها إلى الاضمحلال.
أجل، لو وكل إليّ الأمر لأنشأت مدرسة للسخط على هذا الجيل من رجال السياسة في هذا البلد، أولئك الذين يتخاصمون فيتشاتمون، ويتهم بعضهم بعضا بكل كبيرة: بالخيانة. بالرشوة. بفساد الذمة. . . إلى آخر هذه الجعبة من الشتائم والتهم النكراء، حتى إذا ارتفعت لهم تلك العصا السحرية، عصا دار الحماية التي هي دار السفارة، أو دار السفارة التي هي دار الحماية، نسوا كل ما قيل، واتحدوا وائتلفوا، وصافح بعضهم البعض، وابتسم بعضهم لبعض، وأثنى بعضهم على بعض، والشعب ينظر ويعجب: أما أن يكون الجميع كاذبين في الماضي، أما أن يكون الجميع كاذبين في الحاضر، وهم في كل الأحوال لا يؤمنون على مصير هذا الوطن، وتلك ذممهم وهذه ضمائرهم. . . كلهم جميعا بدون استثناء!
ومدرسة للسخط على أولئك الكتاب والصحفيين، الذين يقال عنهم انهم قادة الرأي في البلاد،