للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القفاز]

بقلم حسين شوقي

(س) عنده الصفات التي تكفل عادة للمرء النجاح في ميدان الحياة: الذكاء والشباب وحسن المنظر. . ولكنه خجول لسوء الحظ إلى حد بعيد، وقد أفسد عليه خجله أموراً كثيرة وعاق مستقبله، إذ أن س لا يعمل غير عمل متواضع، في محل تجاري متواضع. .

ماذا يفعل (س) في خجله؟ ماذا؟ لماذا عالج هؤلاء الإغريق الحكماء الفهاهة بوضع قطع من الحجر في الفم ولم يفكروا في معالجة الخجل؟. .

وإذا كان خجل (س) عاق مستقبله المادي، فإنه كان اشد عليه ضرراً في ميدان العاطفة. . إذ انه برغم كونه في ريعان الصبا لم يعرف الحب بعد. . أو على الأصح لم يتصل بفتاة ما. . مع انه تواقاً بشدة إلى الحب. . كم خفق قلبه في (السينما) عندما يتلاقى المحبان على الشاشة بعد فراق طويل!. وكان إذا عاد إلى منزله بعد مشاهدة مثل هذه المناظر الغرامية، يرتمي إلى المخدة ليدفن فيها حزنه وألمه، ويأخذ في البكاء الشديد. . لم يجد (س) في حياته الجرأة لمغازلة الفتيات، حقيقة إن بعضهن غازلنه، ولكن س لم يكترث لهن، لأنهن كن يتفاوتن في الدمامة، و (س) لا ينظر إلا إلى الجمال، لان الحب في نظره أمر سماوي مقدس. . وكثيراً ما كان يذهب إلى المتنزه العمومي، حيث كان يأمل التعرف بسهولة إلى حبيبة القلب المرتقبة. . فهناك ربما تنسى فتاة منديلها، (أو حقيبة يدها) على أحد المقاعد، فيلتقطه ويقدمه لها، فتتم بهذه السهولة المعرفة بينهما. .

يا للعجب! هاهي أمنية (س) تتحقق، لان المقادير التي تضن علينا بكسب سباق (الدربي)، لاتضنّ علينا بتحقيق أمانينا المتواضعة. .

إليك كيف تحققت أمنية (س):

شاهد (س) ذات يوم سيدة رائعة الجمال (كما تخيلها في أحلامه) تجلس في المتنزه على أحد المقاعد وهي تقرأ كتاباً في يدها باهتمام شديد، فجلس (س) حيالها على مقعد يترقّب فرصة التعرف إليها. . ثم لم يمض زمن طويل على هذا، حتى نهضت السيدة من مكانها ونسيت حقيبة يدها على المقعد (كما تمنى س) فنهض من فوره ليلتقط الحقيبة ويقدمها إليها، ولكن قدوم شرطي في هذه الأثناء أفسد عليه الأمر إذ خشي س إن يحسبه الشرطي

<<  <  ج:
ص:  >  >>