لكل إنسان إشعاع ينتشر عليك من روحه كلما جلست أليه أو دنوت
منه. وهذا الإشعاع يختلف في القوة والضعف وفي الكثافة واللطف
باختلاف الروح في أولئك كله. ولكن لرجل الدين ورجل الحكم إشعاعًا
عرضيَّا آخر ينبثق عن العالم مادام متصلا بالله، ويصدر عن الحاكم
مادام متصفاً بالسلطان. فإذا انقطع ما بين أحدهما وبين هذه القوة
السماوية أو الأرضية انقلب كسائر الناس يُشع على حسب اقتداره
واعتباره
تدخل على رجل السلطان أو تلقاه فتغشاك منه مهابة تطأطأ من نفسك وتكسر من نخوتك، فإذا خرجت من مدار هالته، أو خرج هو من ملكوت سلطانه، وجدته في رأيك الحر أشبه بالجذوة الواهجة إذا ما تحولت إلى رماد بارد
وتجلس إلى رجل الدين أو تراه فتغمرك منه جلالة تثلج صدَرك بالرضا وتنقع نفسك بالسكينة، فإذا قمت عن مجلسه بقى في بصرك نوره وظل في بصيرتك هداه. وذلك هو الفرق بين قوة تسيطر بمادة الإنسان وقوة تؤثر بروح الله
كان هذا الإشعاع الإلهي من رجل الدين يفعل فعله في القلوب والأبصار من إرشاد ولا وعظ. كان العالم أو شبه العالم إذا دخل قرية أشرقت أرضها بنوره واهتز أهلها لمقدمه، فيهرعون إليه ويعكفون عليه ويجدون فيه الدليل إلى الله، فمصافحته عهد لا ينقض، وإشارته حكم لا يرد، ودعوته بركة لا تنقطع. وكنا في ذلك العهد أحداثا ننظر إلى الشيخ وهو بُهرة المجلس كأنه برهان الله، وهو صامت، ويؤثر وهو ساكن، والقوم من حوله مطرقون مستغرقون فرغت قلوبهم من مطامع الدنيا، وخلت صدورهم من وساوس الشر. فإذا ترك القرية خلف بها عهد الله يتصل به ما انقطع من الأسباب، ويقوى عليه ما وهن من المودة
ذلك لأن الشيوخ كانوا يومئذ يسمتون سمت الأنبياء فيجعلون دينهم ودنياهم وحدة لا تتجزأ؛ فإذا قالوا وعظوا، وإذا فعلوا أرشدوا، وإذا صمتوا كانوا كأعلام البر تدل بالإشارة، أو