أرهفي أذنك يا نينون! إن مطر ديسمبر يلطم الزجاج، والهواء يرسل أنينه، ويردد شكواه. . إنها أمسية من الأماسي الباردة، التي يقضقض البائس فيها من القر، أمام قصر الغني الغارق في اللذائذ تحت توهج الذهب!. . . اخلعي حذاءك هناك. . . وضعي حليتك الثمينة هنا. . وتعالي إلى أحضاني، فسأروى لك قصة من أروع قصص الجان.
نينون! هناك على ذروة الجبل قصر عتيق ساد الظلام فيه وجثم الحزن فوقه. . ما ترين إلا أبراجاً صاعدة نحو السماء، وأسوار منيعة شماء، وجسوراً متحركة جهزت بالسلاسل، وملئت برجال أولى بأس شديد، لبؤسهم الحديد، يسهرون الليل والنهار على الشرفات، ولا يجدون راحة أو سلوة إلا بجانب سيد الحصن الجبار، الكونت أنكيرون.
لو كنت رأيت ذلك الكونت يا نينون، وهو يتنزه في مماشي القصر الضيقة، وسمعت قرقعة صوته بندر بالوعيد، إذن لأصابك الجزع، واضطربت كما تضطرب أوديت أبنة أخيه؛ تلك الحسناء الرعبيب التي تفتحت أنوثتها بين فرسان قساة، كما تتفتح زهرة الأقاح، إذا تنفس الصبح، تحت قبلات الشمس الضحوك بين أشواك الجبال.
كانت وهي طفلة، إذا أبصرت عمها الشيخ، وقد ضمت إلى صدرها الدمى زرت، عيناها وهبت مذعورة. تذرف الدمع. أما الآن فهي في ربيع الحياة. إن ثدييها يا فتاتي يبثان الشكوى ويرسلان الآهات. وما يزال الخوف يستولي على نفسها كلما طلع أمامها هذا المحارب القديم. . .
وكانت تأتي إلى برج بعيد، تتلهى فيه بحياكة أعلام ورايات فإذا أعياها هذا العمل الموئس لجأت إلى الله تبثه حزنها وتدعوه، أو قلبت طرفها في السماء الضاحكة وسرحت بصرها في المروج الحادرة. . . وكم من المرات، يا نينون، كانت تقوم من مهجعها وقد سجا الليل وهف النسيم لتنظر إلى النجوم. . . وكم من المرات كان قلبها يخفق لهذا المشهد الساحر، ويحن إلى تلك المروج المتوائبة نحو الأفق البعيد، ثم تسائل الكواكب عن ذاك الشيء الذي يتلاعب بروحها ويثير شجونها. . .