ودت بعد تلك الليالي التي ساهرت فيها النجم وبعد ذلك الحنين اللاهف للحب لو أنها ضربت يوما عنق هذا الفارس الهرم فوقصتها ولكن، وأسفاه! ما كان لها حول ولا قوة. . . إن كلامه جاف يرعب، وإن نظراته جامدة تفزع. . . فكانت تأخذ الإبرة مضطربة الحواس واجفة القلب وتعود إلى وشيها الشاق!
إنك تأسفين، يا نينون، يا نينون، لتلك الحسناء، إنها كالزهرة الريانة ذات العبير الطيب والأريج الشذي التي يصدف الناس عن رائحتها ويلهون عن جمالها. . .!
كانت ترنو يوما بعينين حالمتين إلى قمريتين تريدان الهرب من الحصن، فسمعت صوتاً عذباً يتعالى عند باب القصر، فانحنت من الكوة، وإذا شاب حلو القسمات وسيم المنظر، تأنس العين لمرآه، يطلب المبيت، مرسلا أنشودة بصوت رخيم ما فهمت لها معنى ولكن خفق لها قلبها. ورأرأ الدمع في عينيها، ثم فاض. . . فساقطت دراً من نرجس، وبللت غصنا من المارجولين كان بين يديها. .
وساد سكون عميق، وبقيت الأبواب مغلقة. ونادى فارس من أعلى الأبراج قائلاً.
أذهب وشأنك أيها الغريب، فليس هنا سوى فرسان محاربين. .
وهم الطارق أن يذهب. ولكن أوديت، التي علق بصرها به، فما يطرف أو يتحول، تركت الغصن رطباً بالدمع، يفلت منها، ليقع تحت أقدامه ورفع الشاب رأسه، فإذا وجه صبوح بطل عليه. . . والتقط الغصن ليشبعه لثماً وتقبيلا. ثم ابتعد عن القصر، وهو ينظر كل لحظة إلى الفتاة.
فلما غيبة الطريق المنحدر قامت أودية تدعوا الله وتصلي له، ثم شكرت للسماء وأحست السعادة فرقصت فرحاً وهي لا تدري لكل ذلك سبباً. . .!
فلما كان الغسق جلست إلى رابة تصلحها، وهي تفكر في ذلك الفتى، ثم داعب النعاس أجفانها فأذبلها وارتمت على فراشها. . . واستسلمت لنوم غرق مضطرب، ورأت حلما. . . إنه حلم ساحر يا نينون! خيل إليها أنها ترى غصن المارجولين الذي أفلت من يديها، وإذا بجنية، ما رأت العين أجمل منها تخرج من زهرة تتفتح بين أوراق الغصن المرتعشة. ولها أجنحة من اللهب، وتاج من الأزهار، تتدثر برداء أزرق، لونه رمز الأمل، وتناديها بصوت حلو النبرات: