هذا هو رأيي في ذلك النص الذي سأنقله بعدعن وزيرنا الخطير لسان الدين بن الخطيب في كتابه (الإحاطة في أخبار غرناطة ج٢ ص٢٤) وقد كتبت ذلك في جريدة البلاغ الغراء (٨ - ٣ - ١٣٥١هـ ١٢ - ٧ - ١٩٣٢م) تحت عنوان (الإنجليز في القرن الثامن الهجري كما يصفهم سياسي مسلم) أما الأستاذ محمد لبيب البتنوني فيرى في كتابه (رحلة الأندلس) إن الأنتكيرة الذين وردوا في ذلك النص من كتاب الإحاطة هم الأسبان. وقد ذكر ذلك في كتابه (رحلة الأندلس ص ١٦٠) بدون أن يعنى بتحقيقه أو يخطر بباله انهم أمة أخرى غير الأمة الإسبانية، فيحمله ذلك على العناية بإثبات رأيه، بل ذكره كأنه قضية مسلمة، وأمر مفروغ من صحته.
وقد قرأت كتاب الأستاذ البتنوني من شهور، ومن يوم أن قرأته وأنا أحاول أن أبين له صحة ما ذهبت إليه في (الرسالة) الغراء، فيحول بيني وبين ذلك اشتغالي بغيره من أمور عنيت بها قبله، وهاأنذا اليوم امضي فيما عزمت عليه من ذلك، ولا أحاول به أن انتقص شيئا من فضله، فان فضله اكبر من أن تؤثر فيه زلة من زلات القلم، ولكل جواد كبوة.
ذكر لسان الدين في كتاب الإحاطة من حوادث سنة ٧٦٧ للهجرة إن بطرة بن الهنشة ملك أسبانيا حينما غلبه أخوه القمط على الملك التجأ إلى ابن صاحب (الانتكيرة) المعروف ببرقسين، وبين أول أرضه وبين قشتالة ثمانية أيام، فأعانه بجيش ذهب معه إلى إسبانيا، فحارب به آخذاه حتى غلبه واسترد ملكه، وقد رأى لسان الدين بن الخطيب حرب هذه الأمة الجديدة (الانتكيرة) أو سمع به فلفت نظره إليها وجعله يلقي فيها نظرة سياسي صادق الفراسة قد شاهد أفول نجم أمته في تلك القارة، فوقف ينظر من بعيد إلى من يخلفها فيها فأعجبه حال هذه الأمة الناشئة في حروبها واخلاقها، واخذ يوازن في ذلك بينها وبين أمة العرب في نشاتها، وكاني به كان يقدر لها مستقبلا مثل مستقبلها، وحكما متسعا في الأرض مثل حكمها، وقد صدقت فراسته في هذه الأمة، وأدت بها أوصافها التي أعجبته منها ولفتت نظره إليها إلى ما يقدر لكل أمة تتحلى بهذه الاوصاف، وتتجمل بتلك الشيم، وهذا هو الذي قاله فيها: (وحال هذه الأمة غريب في الحماية الممزوجة بالوفاء، والرقة والاستهانة