للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالنفوس في سبيل الحمية عادة العرب الاول، واخبارهم في القتال غريبة من الإسترجال والزحف على الإقدام أميرهم ومأمورهم، والجثو في الأرض أو الدفن في التراب، والاستظهار في حال المحاربة ببعض الألحان المهيجة، ورماتهم قسيهم عربية جافية، وكلهم في دروع، ولا لجام عندهم، والتقهقر مقدار الشبر ذنب عظيم وعار شنيع، ورماتهم يسبقون الخيل في الطراد، وحالهم في باب التحلي بالجواهر وكثرة آلات الفضة غريب).

فهذه أوصاف تنطق بنفسها إنها لامة غريبة عن ارض الأندلس ومن فيها من نصارى ومسلمين، هذا إلى ان التاريخ الإنجليزي قد ورد فيه ما يؤيد رواية ابن الخطيب من ذهاب ذلك الجيش منهم إلى ارض الأندلس في الزمن الذي عينه ابن الخطيب له، فقد بلغت هذه الأمة في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي (القرن الثامن الهجري) درجة عظيمة من التقدم السياسي والحربي على عهد ملكها (إدورد الثالث) وكانت له حروب كثيرة مع الفرنسيين انتصر فيها عليهم، وبينما كانت جيوشه تفعل ذلك مع فرنسا بقيادته، كانت زوجه تقود جيشا آخر حاربت به اسكتلندا وأسرت ملكها، ثم جهزت جيشا آخر سارت به إلى إسبانيا. فحاربت الأسبانيين وهزمتهم، وهذه هي الغزوة التي ذكرها لسان الدين ابن الخطيب في سنة ٧٦٧هـ لان مدة ولاية أدورد الثالث على إنكلترا كانت بين سنتي (١٣٢٧ - ١٣٧٦م)، وهذه السنة الهجرية تقع في هذه المدة.

فهذا ما يؤيد رأينا من الناحية التاريخية، وأما الناحية اللغوية فهذا الاسم (الانتكيرة) من الأسماء التي أطلقها مؤرخو العرب على أمة الانجليز، ولم تخل من بعض تحريف لبعد ديار هذه الأمة عنهم، وما كانت فيه من عزلة بجزرها عن غيرها من الأمم، ولم يبتدئ تاريخ الأمة الإنجليزية إلا في نحو سنة ستين قبل الميلاد، وكانت جزائرها تسمى عند الرومانيين (بريطانيا) وكانوا يسمون سكانها بريطون، وقد فتحوها سنة ٨٣ بعد الميلاد، ثم استقلت هذه الأمة بجزرها في أوائل القرن الخامس الميلادي، فقامت فيها حروب وفتن كثيرة مزقت شملها وأضعفتها، ولم تزل مضطربة بالحروب الداخلية وغزوات المجاورين لها، إلى أن استولى عليها بعض الجرمانيون، فطردوا سكانها الأصليين إلى الأقاليم المجاورة لها، ثم فتحها (اغبرت) سنة ٨٢٣ ميلادية، وجعل نفسه ملكا عليها، وهو أول ملك قام بها، وكان يلقب نفسه ملك انكلتيرة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>