للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عبقرية الشريف الرضي]

للدكتور زكي مبارك

(قبل نهاية هذا الشهر يصدر في بغداد كتاب في جزأين للدكتور زكي مبارك. وهذه فاتحة ذلك الكتاب، وهي تشرح مذهب المؤلف في دراسة الأدب العربي وطريقته في التأليف)

أما بعد فهذا كتاب (عبقرية الشريف الرضي) وما أقول أني شغلت به نفسي سنة كما قلت يوم أخرجت شرح (الرسالة العذراء)، ولا سبعة سنين كما قلت يوم أخرجت كتاب (النثر الفني)، ولا تسع سنين كما سأقول بأذن الله يوم اخرج كتاب (التصوف الإسلامي)

فما شغلت نفسي بكتابي هذا غير خمسة أشهر. ولكنها من أشهر بغداد لا أشهر القاهرة ولا باريس. وما كان في بغداد لهو ولا فتون، فكانت الليلة في بغداد كليلة القدر، خير من ألف شهر، والتوفيق من أشرف الأرزاق

وكتابي هذا هو مجموعة المحاضرات التي ألقيتها في قاعة كلية الحقوق، وكانت تلك المحاضرات من أشهر المواسم في حياتي، فقد كان أصدقائي يخشون أن يمل الجمهور بعد أسبوع أو أسبوعين، ولكن الجمهور كان يزداد إقباله من أسبوع إلى أسبوع، ولم ينقذني منه غير التصريح بأني أنفقت كل ما كنت أملك، ولم يبق إلا أن استريح!

ومحاضراتي بكلية الحقوق في بغداد هي الموسم الثاني بعد محاضراتي عن (المدائح النبوية) وهي المحاضرات التي ألقيتها باسم الجامعة المصرية في قاعة الجمعية الجغرافية بالقاهرة، فهل يتسع العمر لموسم ثالث في القاهرة أو في بغداد؟

لا تسألوني كيف ظلمت نفسي فأعددت هذه المحاضرات وأنشأت معها مقالات كثيرة جداً نشرتها صحف مصر ولبنان والعراق ورججت الحياة الأدبية في بغداد رجاً عنيفاً، فذلك كان أقل ما يجب أن اصنع في مقابل الثقة التي شرفتني بها حكومة العراق؛ وذلك كان اقل ما يجب أن اصنع لأحفظ لنفسي مكاناً بين الأساتذة المصريين الذين تشرفوا بخدمة العراق من أمثال محمد عبد العزيز واحمد حسن الزيات والسنهوري وعبد الوهاب عزام ومحمود عزمي؛ وذلك كان اقل ما يجب أن اصنع في خدمة تلاميذي وتلميذاتي في بغداد، وقد رأيت في وجوههم وجوه أبنائي وبناتي فكلفت نفسي في خدمتهم فوق ما أطيق

لا تسألوني كيف ظلمت نفسي فأنفقت من العافية ما أنفقت؟ فقد ساءني أن اعرف أن (دار

<<  <  ج:
ص:  >  >>