أنا رجل له عمله الذي يملأ يومه، ونهجه الذي يدير حياته، وليس من عمله ولا في منهجه الدخول في هذه المناظرة التي يقوم سوقها بين الأستاذ الكاتب الفحل محمود شاكر، وبين الأستاذ سيد قطب. وأنا رجل عرف شاكراً وعرف الرافعي العظيم رحمه الله، وغدا لطول ما قرأ لهما ووثق بهما يقبل كل ما جاءا به. ولكني لم أعرف الأستاذ قطب قبل اليوم ولم أعلم له وجوداً، فهو عندي كاتب جديد أرى اسمه للوهلة الأولى فلا أضعه في منزلة من نفسي، ولا أجدني من قرائه، ولا أعلم لآرائه من القيمة والخطر ما يدفعني إلى مناقشتها. فلا شأن لي في هذه المناظرة، وليس عليّ خوض غمارها، ولكن ما قرأته للسيد قطب في هذا العدد الأخير (٢٥٥) حفزني إلى سوق هذه الكلمة أسأل فيها: أهذا نقد؟ أهذا كلام؟
لقد تعلمت (وعلمت تلاميذي) أن النقد يستند إلى دعامتين: دعامة من اللغة وعلومها - نحوها وصرفها وبيانها - يعرف بها خطأ الكلام من صوابه، ودعامة من الذوق يعرف بها جماله من قبحه. أي إن النقد (علم) حين يدور على الخطأ والصواب، و (فنّ) حين يبحث عن الجمال. أما (فنَّ النقد) فلا يمكن الجدال فيه لأن أداته الذوق، والذوق شيء شخصي ومداره على الجمال، والجمال لا يتبع قاعدة، ولا يعرف له مقياس. فإذا قال سيد قطب: إن هذا البيت من أبيات الرافعي قبيح، كان معنى قوله أن هذا البيت لا يوافق المثل الأعلى الذي أتصوره أنا في الشعر. وإذن يحق لغيره أن يقول له: بل هو جميل عندي. (أما علم النقد) الذي يستند إلى علوم اللغة فالجدال فيه ممكن بل واجب، والحق فيه معروف ظاهر، لأن لهذه العلوم قواعد وأسساً، فما قام عليها فهو صواب، وما حاد عنها فهو خطأ. . .
فلننظر بعد هذا في نقد الأستاذ قطب بيت الرافعي رضي الله عنه:
إن الظلام الذي يجلوك يا قمر ... له صباح متى تدركه أخفاكا
حين يقول:(والحب الذي هو ظلام لا يحتاج للتعليق، فما يوجد حب في الدنيا تظلم به الأرواح، ولكن الرافعي هكذا يقول). . .
فهل في الدنيا قارئ يفهم أساليب العرب يذهب إلى أن المراد من هذا البيت تقرير أن