[تينة الجبل!]
للأستاذ أحمد الصافي النجفي
(. . . وهذه طرفة ثانية من طرائف (الصافي) نقدمها للدكتور طه حسين بك. ولعل من الخير أن نذكر أن (الدكتور) ينكر على شعرائنا المحدثين فيما ينكر عليهم انعدام (الوحدة الفنية) في أكثر منظوماتهم. ولقد فهمنا من محاوراته معنا أن من أظهر خصائص الشاعر الأصيل في رأيه وضوح المثل الأعلى الذي يدور عليه فلك وحي الشاعر، واستحضاره في فترات الخلق والإنتاج. وليس هنا محل مناقشة الدكتور في هذا الرأي؛ ولكن أضع يده على هذه الطرفة البارعة التي تمثل مذهبه في الشعر أصدق تمثيل
و (تينة الجبل) شجرة عجيبة شاذة معروفة في سورية لا يطلب لها أن تنمو وتستطيل إلا في جو قاس من العزلة والتوحيد والانزواء، فتراها بعيدة عن مجاري المياه العذبة والأعشاب الندية والطيور المغردة، فهي تعيش دائماً في صمت وسكون. ولكن أي فوز تناله يوم عرض الثمار؟ هذا ما نترك الإجابة عنه لحضرات القراء وهم ينعمون بتلاوة هذه القصيدة الرمزية البارعة)
القدس - عبد القادر جنيدي
نبتتْ في الجبال دَوحة تِبنِ ... وقفت مثل وقفة الجبار
أَلِفت وحشة الدجى واستمرَّت ... في صراع مضنٍ مع الإعصار
فهي أخت الثلوج والأمطار ... وهي نبت العُواء والتزآر
وهي تحيا كراهب في قفارٍ ... دون ديرٍ يضمه أو دار
وإذا ما هفتْ لنجوى سمير ... رنَّ في سمعها صدى الأدهار
أينما تلتفتْ فليس تلاقى ... من سمير لها سوى الأحجار
حرمتها يد الطبيعة حتى ... من غناء الحفيف في الأسحار
لم تظلَّل غصونُها ندماَء ... لا ولم تُسقَ منهم بعقار
وهي لم تستمع لنجوى حبهِ ... بين وما أعلناه من أسرار
لا ولا أَمَّها هزارٌ يغني ... فانتشى سمعها بشدْو الهزار
ما وعتْ حين أينعت للعصا ... فير سوى لحن نقرة المنقار