للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

مفترق الطرق

للأستاذ نجيب محفوظ

زماننا عاثر الحظ أو نحن به عاثرو الحظ. فأينما تول وجهك تسمع تنهد شكوى أو تر تجهم كدر. ولن تعدم قائلاً يقول إن هذا الزمان أضيق رزقاً وأنضب حياء وأفسد خلقاً وأقل سعادة وأنساً من الزمان الماضي، ويجوز أن نكون لزماننا ظالمين، وأننا نتحامل عليه لا لعيب اختص به دون غيره من الأزمنة، ولكن تبرماً بقساوة الحياة وفراراً من جفاف الواقع ولياذاً بظلام الماضي الذي يشبه ظلام المستقبل بعث أمل وطب آلام. ومهما يكن من أمر هذا السخط فما من شك في أن جلال أفندي رغيب كان على حق في شكواه التي يرددها بغير انقطاع. كان مراجع حسابات في وزارة المعارف وفي السادسة والأربعين من عمره، قد وسع الله له في إحدى زينتي الحياة الدنيا وقتر عليه في الأخرى، فرزق ستة أبناء يسعون ما بين حجر الأم والسنة الرابعة الثانوية. وأما مرتبه فسبعة عشر جنيهاً، فناء بأثقال العيش ومتاعب الحياة، وقصمت ظهره المصاريف المدرسية. وكان كثيراً ما يقول متبرماً حانقاً كلما آن موعد قسط أو اقترب موسم من المواسم: (رجل مثلي - أب لستة ذكور، اثنين في المدرسة الثانوية، واثنين في المدرسة الابتدائية، وواحد في المدرسة الأولية، وواحد في البيت، غير زوجة وأم، ولا تراه الوزارة حقيقاً بإعفاء واحد من أبنائه من المصاريف. . . فمتى إذا تجوز المجانية!. . ولمن تجوز؟). وكان كغالبية أهل هذا البلد يائساً من العدالة قانطاً من الخير، يعتقد اعتقاداً كالإيمان الراسخ أنهما لا يصيبان إلا المجدودين من ذوي القربى والأصهار والأصدقاء، فرأى أن ليس أمامه سوى الكفاح الشاق، ومعاناة الشدة عاماً بعد عام، والتصبر على مرارة الحياة

ولبث على حاله لا يطمع في رجاء حتى تولى وزارة المعارف معالي حامد بك شامل، فطرق أذنيه اسم الوزير الجديد، وجذبت عينيه صورته المنشورة في الصحف، فومض في أفقه المظلم بارق أمل جديد، وانتعشت نفسه برجاء لا عهد له به، وقال لنفسه: (ينبغي أن أقابله. . . وأن أشكو إليه. . . هل يرفض رجائي؟. . . لا أظن)، وقصد يوماً إلى سكرتير الوزير وكتب حاجته على رقعة ليوصلها إليه، فمضى الشاب بها وتركه في حالة من القلق

<<  <  ج:
ص:  >  >>