أخفق المسرح المصري، أو لم يقم، وهذا أصح، لأن الذين حاولوا هذا الأمر لم يجدوا من يسدد خطاهم، ويأخذ بيدهم، ويشد أزرهم، فخابت مساعيهم، وضاعت عليهم جهودهم وأموالهم، وتخبطوا حيناً، ثم يئسوا وانصرفوا عن أمر لا طائل تحته، ولا محصول وراءه، ولا خير فيه لا لهم ولا للأدب ولا للناس.
ويخطئ من يظن أن الذنب للحكومة وحدها، وأن تقصيرها في بذل العون للمسرح قعد به ثم قضى عليه، ولا ريب أن الحكومة أهملته وتركته للأقدار، حتى طار في النزع، ثم حاولت أن تدركه، ولكن بعد أن تفاقمت العلة وتعضَّلت المداوى، فلم ينفذه المال الذي بذل له، بل أزلفه إلى البوار الذي لم يبق منه مفر، ذلك أن المال لم يكن كل ما بالمسرح فقر إليه، فقد بدأ مستغنياً بنفسه عن مثل هذه المعونة، وكان في أول عهده يلقى من الإقبال والتشجيع ما ينفى عنه الشعور بوجود خلة تتطلب أن تسدّ، ثم فتر الإقبال وانصرف الناس لأنهم لم يجدوا ما يطلبون، وما كان خليقاً أن يؤدي إلى قيام مسرح مصري بالمعنى الصحيح، فقد كان المسرح معنياً بالترجمة والنقل والتمصير، فكان صدى للمسارح الغربية، ولم تكن له صبغة مصرية، وليس عندنا ممثلون في وزن ممثلي الغرب، والحياة المصرية لا تشبه الحياة الغربية إلا في بعض المظاهر المنقولة، ومجتمعنا يقوم على نظم تغاير نظم الغرب من وجوده شتى، على الرغم من كثرة ما أخذنا عنه واقتبسنا منه، وكذلك تختلف الروح والمزاج والطبائع والنزعات. فإنا شرقيون على فرط ما نحاول أن نتغرّب، ومازال صحيحاً أن الشرق شرقٌ، والغرب غربٌ، وأنهما لا يكادان يلتقيان، والشرق مهبط الأديان، والغرب مصانع آلات، والأديان لا تهبط الآن في شرق أو غرب، ولكن مزاج النفوس هو هو، كما كان، في الناحيتين، وتهيؤها واستعدادها واتجاهها، وأسلوبها في تلقي الحياة وتناولها، ولا عبرة بالتعليم أو الجهل في هذا الباب، وإنما العبرة بالروح العامة، قد يزوّرها التعليم ويخفيها أو يسترها، ولكنه لا يستطيع أن يغيرها.
لهذا كان ما يمثل على المسرح المصري من الروايات المترجمة أو الممصرة، لا يستولي على هوى الجمهور، ولا يشعره أن ما يراه يصور حياته كما بدت للكاتب، وبعد أن أفرغ