للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[دمعة]

لشاعر الحب والجمال لامرتين

للأديب عارف قياسه

فلنقطف الورد في غدوة حياتنا، ولنجن الرياحين في بكرة أعمارنا، ولننسم على الأقل أريج أزهار الربيع الخاطف، ولنغمس قلبينا في فيض اللذة النقية الطاهرة، وليكن هوانا يا حبيبتاه بحراً مسجوراً لا حد لسعته.

حين يبصر الربان زورقه الهش يتراقص فوق أعراف الموج الثائر، ويرجحن على غارب الآذى الغضبان، يكاد يزدرده اليم الهائج، يرجع ببصره إلى الشطآن التي نأى عنها، ويأسف على ما ذاق فيها من متع، وما رأت عيناه من مباهج وفتون

واحسرتاه! لشد ما يرغب في أن ينفق أيامه الداجية في مثوى آبائه وأجداده - غنياً عن فراق وطنه وآلهته - آمن السرب، ناعم الخاطر، لا يشمخ المجد بأنفه، قرب آثار عزيزة عليه، أثيرة لديه، لا يبارح طيفها خاطره، ولا يفارق خيالها ذهنه ولا مشاعره

كذلك الرجل الذي تقوس ظهره تحت أعباء السنين، وآصار الأعوام، يبكي ربيعه البهيج الزاهي - وقد ذهب إلى غير معاد، مَرِه العين، كليم الفؤاد، ويهتف:

(ردي عليَّ يا آلهتي الرحيمة تلك السويعات المضمخة باللذة والنعيم، فقد أنسيت أن أرشف رحيقها في حينه!)

ولكن المنية وحدها هي التي أجابته، وتلك الآلهة لم تصخ لرجائه، ولم ترق لبكائه، وإنما حدته إلى الرمس حدواً، وزجته في غياهبه زجاً، دون أن تأذن له في أن ينحني فيلتقط تلك الأزاهير التي لم يتح له أن يجنيها، فيستروح عَرفها وشذاها، ويفعم أنفه بعبقها ورياها

فلنتساق يا حبيبتاه أكؤس الهوى مترعة دهاقاً

ولنضحك ملء أفواهنا من الهموم التي تساور نفوس الأحياء، وتخامر قلوب الأشقياء!

ولنرث لأولئك الذين أفنوا شطر أعمارهم، سعياً وراء حطام الدنيا الكاذب، وهبائها الغرور.

لنعزف عن صلف أولئك الفارغ، ولنصدف عن ادعائهم الأجوف، ولندع الأمل العريض لمعلمي الإنسانية، يتعللون به ويتفكهون، ولنسارع نحن إلى احتساء كأس عمرنا حتى ثمالتها، ما امتطت تلك الكأس أكفنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>