قرأ أصدقاؤك والمعجبون بأدبك في الأقطار الشقيقة شكواك البليغة في عدد الرسالة (٢٢٩)، فعتبوا عليك، وأسفوا أن تمر بسمائك سحابة صيف من مآسي الحياة في ظرف من الظروف الأليمة التي يطيش فيها حلم الحليم، فتحجب عن بصرك ذلك القبس الإلهي الذي كان يجبب إليك أن تحترق كالشمعة لتنير الطريق إلى الذين لا يعرفون الفضيلة في الدنيا؛ وأن تتحمل كل ما في الألم من مرارة وما في الاضطهاد من معنى، في سبيل الأخلاق الفاضلة والذود عنها والدفاع عن حرمتها، فتنقلب في طرفة عين إلى خصم لدود يطعنها تلك الطعنات القاتلة، فكنت كالذي أوشك أن يتم جداراً لاقى النكد في بنائه، فأنقلب إليه يهدمه إلى وجه الأرض لأن حجراً وقع عليه
لا يجادلك فيما ذهبت إليه في شكواك إنسانٌ في الدنيا، ولا يوافقك على الأسباب التي أدعيتها علة النجاح من له دين وتفكير إلا إذا كنت تريد أن يتدهور البشر إلى مستوى العجماوات حيث يعيشون للطعام والشراب، وأن يتلاشى ذلك التراث الإنساني الثمين الذي ورثته البشرية عن الأنبياء والمصلحين.
إن نجاح التاجر الذي يغش ويسرق، والموظف الذي يتلون حسب الظروف، والظالم الذي لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه، لا يقوم دليلاً على ما ذهبت اليه، ولا شأن للأخلاق فيه، إذ ليس ذنب الماء العذب أن يزعم مريض أنه كريه المذاق، ولا الشمس المشرقة أن يجادل في رؤيتها أعمى. فالذنب يا سيدي الكريم هو ذنب المجتمع المريض الذي يسمي الأشياء بغير أسمائها، فيرى الجبل شجرة، والحجرة كتاباً، والجمرة تمرة. ولو كان لنا مجتمع تعيش فيه الصراحة والجرأة الأدبية ويشرق عليه نور الخلق الفاضل والتربية العملية الدينية الصحيحة، لتضور أمثال هؤلاء جوعاً فيه
وراع الدكتور عزام طعنك في الأخلاق على النحو الذي قرأه الناس جميعاً، فأسرع يكتب إلى صاحب الرسالة كلمته البليغة لتصل إليك في العدد (٢٣٠) وظن القراء أن فيما أورده الدكتور من الآراء الصائبة ما يكفي لإرجاعك إلى الحق، والرجوع إليه فضيلة؛ وانتظروا