تذهب طائفة كبيرة من الأدباء والكتاب إلى أن العراق لم يكن له نهضة أدبية علمية في القرن التاسع عشر كما كان في ديار مصر وسورية، وهذه فكرة خاطئة لأن تباشير تلك النهضة المباركة كانت بادية في حواضر العراق كبغداد والموصل والبصرة والحلة وكربلاء والنجف. غير أن الأدباء الذين دونوا كتباً ورسائل عن النهضة العربية في ذلك الزمن أغفلوا ذكر العراق وما كان عليه من النهوض في العلم والأدب والاجتماع. ومصداقاً لقولنا أن الأستاذ أنيس زكريا النصولي لما وضع كتابه (أسباب النهضة العربية) الذي نشره عام ١٩٢٦ لم يشرك القطر العراقي في تأليفه بصحيفة واحدة.
إن ما يؤاخذ به واضع ذلك السفر أنه لم يكتب كلمة واحدة تشير إلى ما كان عليه العراق في أوائل القرن التاسع عشر من النهضة الأدبية والعمرانية مع أن عنوان الكتاب:(أسباب النهضة العربية)، وقد اقتصر المؤلف على ذكر أسباب النهضة في القطرين السوري والمصري.
لقد استاء فريق من أدباء العراق وامتعض بعضهم وعدوا ذلك الإهمال والسكوت التام إهانة كبيرة لإقليم عربي كانت تباشير تلك النهضة بادية في معظم حواضره ومدنه، وقد انتقد المؤلف الأستاذ سليم أفندي حسون محرر جريدة (العالم العربي) والأب أنستاس الكرملي في مجلته لغة العرب.
وفي نظري أن صاحب الكتاب المشار إليه لم يكتب صحيفة واحدة عن أسباب تلك النهضة في ديار العراق لسببين، إما لجهله ما كانت عليه بلادنا من النشور الأدبي والعلمي أو لتجاهله، فإن كان الأول فهو معذور، وإن كان الثاني فلا يعذر إذ قد سكت عمداً عن قطر عربي أنجب طائفة كبيرة من العلماء والأدباء والشعراء والمصلحين والمجددين.
وعلى ذلك رأيت أن الواجب يحتم على كعراقي يهمه سمعة بلاده أن أدون بضع مقالات تتناول تلك النهضة في فجرها، ولكن يليق بي قبل الخوض في هذا الموضوع أن أنشر ترجمة داود باشا والي بغداد في القرن المنصرم المعدود من أكبر أركان النهضة الحديثة