ولد داود باشا عام ١٧٧٤م في تفليس قاعدة ديار الكرج، وكان مملوكا نصرانياً اشتراه أحد النخاسين وجاء به إلى بغداد وعمره لم يتجاوز يومئذ الحادية عشرة ليهديه إلى أحد أمرائها، فاشتراه منه مصطفى بك الربيعي وباعه لسليمان باشا الكبير والي الزوراء منذ سنة ١١٩٣ - ١٢١٧هـ، ١٧٧٩ - ١٨٠٢م، وقد ظهرت على محياه مخايل الذكاء وشمائل الفطنة، فلقنه العلم والأدب وأصول الديانة الإسلامية واعتنى بأمره أشد الاعتناء، فشب داود محباً للعلوم والمعارف مغرماً بالفقه والشريعة شهماً فاضلا صادق اللهجة والعمل. وصفوة القول بذل سيده غاية جهده في تثقيفه وتهذيبه، ليكون له في شيخوخته ركناً مكيناً ومعواناً صادقاً إذا تفاقمت عليه الخطوب والرزايا، وقد تمتع في حياته بغرس يمينه إذ رآه نابغة عصره فكان كاتباً تحريراً، وسياسياً محنكاً، وقائداً مدرباً، وبطلاً مغواراً، ذا مقدرة عظيمة في فك المعضلات وحل المشاكل العويصة وأفاد الزوراء فوائد جمة حينما تولى إدارتها كما ستراه فيما يلي:
بعد أن تضلع داود من آداب اللغة العربية أخذ يتردد على أدبائها الكبار ويناظرهم في المسائل المبهمة، وكان أيضاً يناضل علماء الدين فيما وراء الطبيعة والقضاء والقدر والثواب والعقاب والخلود والحشر ونحوها من المسائل التي أرتجت عليه أبوابها، وهكذا صرف شطراً من حياته، ملازماً للعلماء الأعلام منزوياً للمطالعة، وقد أيتح له أن يقرأ بعض المسائل الفقهية العويصة على يد السيد زين العابدين جمل الليل.
كان مجلس المترجم حافلا بوجوه الأدباء والشعراء ومشاهير الكتاب، فكان يطارح هذا ويناقش ذاك، وينظم القصائد ويذكي شعلة المنافسة والمباراة بين شعراء قطره، ويحث الأدباء على التأليف والتصنيف ويجزل العطاء لمن يفوق أخدانه حتى قيل إنه لم يقو على مفارقة الأصحاب ساعة واحدة. وكان يصحب معه فريقا من خواصه في رحلاته، يجلس وإياهم في وقت فراغه، ويتناول المباحث على أنواعها من سياسية وإدارية وأدبية، وقد اشتهر عند الخاص والعام بحب العلم والعلماء، حتى لقب بعالم الوزراء ووزير العلماء، وكانت ترد عليه القصائد الرنانة والرسائل البليغة في مدحه والثناء على أعماله المجيدة، وقد أناط بعهدة جماعة من أدباء بغداد أن يضعوا الكتب الأدبية والعلمية للقطر العراقي