يعمل الرجل وهو في مقتبل الشباب ممتلئاً صحة وقوة، ويخيل إليه أن الدهر سيظل له على الدوام مسالماً، فيسرف في أنفاق كسبه غافلاً عما يكنه المستقبل في طياته من المفاجآت. فإذا لم يعترضه مرض أو حادث يعجزه عن العمل والكسب، فأنه قلما يسلم من الخضوع لسلطان الطبيعة البشرية وسحرها، تجتذب حواسه وتأسر لبه حتى تسوقه طوعاً إلى شريكة في الحياة؛ يرزقه الله منها الأبناء، فيشعر في أعماق قلبه بذلك الشعور الذي لا يدرك كنهه سوى الزوج المخلص والوالد الرحيم، وهذا الشعور ينطوي على رغبة صادقة في أن يهيئ لهم أسباب السعادة في ظل حياته، ويعد الوسائل التي تسهل لهم سبل العيش بعد مماته.
ولا تقف مسئولية الرجل العائلية عند حد الزوج والأبناء، بل قد تتناول أبويه والقاصرين من اخوته المحتاجين لمساعدته. فأن حق عليه أن يكفل زوجه وأبناءه بعين رعايته، فأن من واجبه الشرعي والاجتماعي أن يشمل أبويه بعطفه وحنانه. فإن فعل فإنما يسدد ديناً عليه. فقد ضحيا من أجله راحتيهما ومالهما في سبيل تربيته وتعليمه حتى بلغا به طريق الرزق - قد يكونان ذهبا في التضحية إلى حد نفاد مواردهما - فحق لهما أن يجنيا ثمار تضحيتهما بمساعدته لهما في شيخوختهما.
وخلاصة القول أن الرجل في هذه الحياة مسئول عن سعادة أبويه وأخوته، كما أنه مسئول عن هناء زوجه وأبناءه. فإن كانت عائلته تعيش من كده وجهاده، فهو بمثابة رأس مال لها. يقف رأس المال العائلي هذا عن الإنتاج إذا إنتاب الرجل العامل المرض أو اعترضه العطل، ويفقد مقدرته الإنتاجية إذا أقعده العجز أو الشيخوخة عن العمل، ويفنى إذا وافاه الأجل؛ فالرجل المتزن العاقل هو الذي يتبصر في عواقب الأمور، ويتسلح للطوارئ، فيعمل على تهيئة أسباب السعادة لعائلته في مختلف أطوار الحياة، بأن يستجمع في شبابه من المال ما ينعم به في شيخوخته، وما يتركه لذويه يستعينون به على صروف الدهر بعد وفاته. وقد يبتدئ فعلاً بتدبير المال عن طريق الادخار. فأن عاجلته المنية قبل أن يكون لعائلته المال الذي يعيشون منه فأنه يتركهم عرضة للتسول وقد يدفعهم الإملاق إلى اقتراف الرذائل وارتكاب الجرائم.
تلك هي النتائج الاجتماعية التي يجب أن يتوقعها الرجل الذي يعيش من كسبه، ولا يدخر