وألتفت (الأستاذ) إلي، فرأى الدم يتصاعد إلى وجهي، فقال:(أحسبك قد نال منك التعب، ولا جرم فأن عالم الطفيليات عالم عظيم جسيم. ولكن لن تبرح حتى ترى هذه الحشرات السوداء التي لا تعيش إلا على جثث الموتى. وتخشى الأحياء وترهبهم. ألا تراها تذكرك بأصحابك الذين يغيرون على شعر القدماء، وأدب القدماء. ولا حياة لأمثال هؤلاء إلابما يدره أولئك الموتى!
والآن تأمل هذه الكائنات الدميمة التي تراها عن يسارك! وقل لي هل رأيت في حياتك أشد منها دمامة، وأقبح منها منظر؟ وهي مع ذلك لا تعيش إلا حيث يوجد الحسن والبهاء! ولا تحيا إلا على كل من رزق الوسامة، وضرب في الجمال بسهم، وحيثما رأت الشباب الغض والحسن الباهر تر هذه الكائنات الدنسة. قد تراكمت من حوله وتألبت عليه. . . لكن أراك قد تصاعد الدم إلى وجهك، وأحمت عيناك وانتفخت أوداجك، فهل تحس ألماً أو دوار، أو تراني قد أتعبتك بكل هذا الشرح الطويل؟
قلت: (ليس ما أحسه الآن تعبا أو ألما، ولكنه الغيظ قد استولى علي وأخذ يحرق صدري، ويوقد النار في دمي، وبودي لو تناولت عالمك هذا كله بالتحطيم والتدمير، فلا أدع فيه دودة ولا حشرة، قائمة أو قاعدة، راكعة أو ساجدة!)
قال:(من حسن الحظ أنا تركنا عصينا بالباب، فهلم بنا لنخرج من هنا، قبل أن يذهب بك الجهل مذاهب الطيش والنزق فأن هذه الطفيليات أعز على الدهر من أن نعرضهات لسخط الحمقى، الذين لا يعرفون ما لها من المنزلة الفريدةوالمكانة العزيزة في نظام هذا الكون الأبدي.)
ثم انطلقنا، وصاحبي يبتسم، وأنا أكاد أتميز من الغيظ.