كان لتلك الدعوة الكريمة التي وجهتها اليونان إلى معالي الدكتور طه حسين باشا لمنحه الدكتوراه الفخرية من جامعة (أثينا)، وكان للحفاوة البالغة التي استقبلته بها ملكا وحكومة وشعبا، أثر جميل خفق له قلب مصر، وجدد لها ذكرى صلتها الثقافية القديمة باليونان. . .
وكان ذلك التكريم الرائع الذي أحاط بمعالي الدكتور العظيم، شعورا نبيلا بجميل مصر على اليونان، وحنينا إلى تلك الصلة القوية التي ربطة هاتين الأمتين العظيمتين في غابر الأزمان!
ويحسن بنا - في هذه المناسبة - أن نذكر شيئا عن هذه الصلة الثقافية العريقة، وأن نشير إلى آثار مصر في نهضة اليونان الفكرية قديما. . . فقد تمخضت هذه الصلة عن مدينة عظيمة أيقظت الفكر الإنساني، ومنحته تراثا لا يزال حيا زاهرا إلى اليوم.
مما لا شك فيه أن صلة مصر باليونان قديمة ترجع تقريبا إلى الألف الثالث قبل الميلاد، فقد كانت مصر على أوثق اتصال بجزيرة (كريت) في ذلك العهد القديم، وقد تأثرت هذه بحضارة مصر وأخذت عنها الكثير من فنونها التي انتقلت فيما بعد إلى داخل بلاد اليونان. والتاريخ يذكر لنا أن الكريتيين خضعوا قديما للسيادة المصرية، وقد تأيد هذا بالعثور على طبق من الذهب محلى بالنقوش كان (تحتمس الثالث) قد أهداه إلى قائد من قواده عينه حاكما على (كريت) وغيرها من الجزر المجاورة لها.
وها هو ذا الأستاذ (ماسون أورسيل) يقرر تلك الصلة القديمة قائلا: (عندما انتقل أثر كريت إلى بلاد اليونان الداخلية في خلال النصف الأول من الألف الثاني ق. م أدخل معه ثمرات دلتا النيل، إذ كانت جزيرة كريت متصل اتصالا وثيقا بمصر منذ الألف الثالث ق. م. . ولقد اشترك الكريتيون بالثقافة المصرية كما يستدل من خطهم المؤلف إلى حد كبير من حروف هيروغليفية، وهذا جعلهم يصطبغون بصبغة الثقافة المصرية سواء في ميسين أم أيونيا).
وإن التأريخ يذكر لنا أنه كانت لليونانيين بمصر - في الزمن القديم - منطقة خاصة بهم