وأنت يا موكب الحزن الشامل مالك لا تزال مرابطا بأشباحك السود على أبراج قلعة دمشق وعلى جدران القصر الأبلق؟
أين الطبول والدبادب التي كانت تقرع على أسوار الحصون والقلاع؟
أين آلات الحرب والكراع التي كانت تدك معاقل الإفرنج ما لها قد سكتت؟
أين الأعلام وأين السيوف؟ أتراها قد نكست وأغمدت لدى مصرع الملك الشهيد الراحل، وتنزلت أرواح الشهداء من الأمراء والجند بأمر الرحمن تحمل أرياح الجنة إلى قلعة دمشق تحيي بطل الفتوح وسيد المعارك الذي قادها إلى النصر والشهادة.
إنه يرقد بداخل تابوت تراه معلقا وسط قاعة من قاعات الجند. أنه الملك الظاهر الذي لم تكن تحويه الدنيا بأسرها.
في ساعة بعد الزوال من يوم الخميس ١٧ المحرم سنة ٦٧٦هـ (يوليه ١٢٧٧ ميلادية) في حجرة من حجرات القصر الأبلق ومكانه اليوم التكية السليمانية بمدينة دمشق فاضت روح الملك الظاهر أبو الفتوح بيبرس بعد مرض بسيط لم يمهله غير أيام معدودات، وبموته انتهت حياة اعظم ملوك مصر والشام وطرا في عصرهما الإسلامي العربي المجيد لا بل في جميع اعصر التاريخ.
وكان السلطان العظيم قد دخل دمشق على راس جيشه الظافر عائدا من الجهاد عن طريق إنطاكية يحمل على جبينه غار النصر في آخر حملة قادها إلى أواسط آسيا الصغرى حيث حارب وقاتل وقارع وانتصر، ودخل مدينة قيصرية، وخطب باسمه على منابر أرض الروم بعد أن كسر التتار هناك وشتت شملهم، وحرر بلاد المسلمين من طغيانهم. ويقول مؤلف سيرته القاضي محي الدين بن عبد الظاهر: