للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١ - الأدب الإغريقي]

في عصر الإسكندرية

للدكتور محمد مندور

يذكر القراء أن الإسكندرية كانت في زمن ما عاصمة عقلية للعالم أجمع، حتى ليصطلح علماء التاريخ على تسمية القرون الثلاثة السابقة لميلاد المسيح بعصر الإسكندرية. وهو عصر إغريقي بلغته وثقافته. ومع ذلك فمن واجبنا نحن المصريين أن نعني بدراسته لاتصاله الوثيق بتاريخ بلادنا. وما نظن فهمه يستقيم ما لم نلم بملابساته التاريخية لنرى كيف احتلت الإسكندرية هذه المكانة، ونحدد أهميتها بالنسبة للعواصم الأخرى التي عاصرتها، وبخاصة أثينا. وعندئذ سوف نرى خصائص الأدب الإغريقي في ذلك العصر تتحدد بذاتها متميزة عما عداها

ونقطة التحول كانت بلا ريب ظهور ملوك مقدونيا، وبخاصة فيليب وابنه الإسكندر الأكبر في القرن الرابع ق. م. فإلى ذلك الحين كانت بلاد الإغريق عبارة عن مدن مستقلة، تكون كل مدينة وضواحيها دولة قائمة بذاتها. ومع ذلك فقد استطاعت تلك المدن أن تأتي بالمعجزات في المجال الثقافي والمجال العملي على السواء. ونخص بالذكر أثينا التي وإن لم يبلغ قط سكانها هي وضواحيها نصف المليون؛ فقد خلفت من التراث العقلي ما لا يزال يبهرنا حتى اليوم، كما استطاعت أن تتزعم المدن الإغريقية الأخرى لترد جحافل الفرس وتحمي الحرية في بلاد اليونان كافة، ولكنها لم تكد تستوي في الزعامة بفضل انتصاراتها الباهرة حتى أخذها الصلف فنفرت إسبرطة الأبية، وكانت بين المدينتين حروب طاحنة دامت ما ينيف على ربع القرن، وقد اشتركت فيها جميع المدن، وخرجت منها ضعيفة متهافتة. وعندئذ ظهر المقدونيون الذين امتد طموحهم إلى السيطرة على بلاد اليونان، بل على العالم أجمع في وحدة شاملة

ولكن العرين كان لا يزال به أسود وبخاصة أثينا، حيث صمد الزعيم الوطني الشهير (ديموستين) لفيليب وابنه، وقد رفض أن يستسلم على الرغم من ضعف مدينته، وذلك لأنه لم يكن يعرف غير الجهاد مهما تكن احتمالات الفوز أو الهزيمة، وعنده أنه ليس أشرف للرجل من أن يموت وسلاحه بيده

<<  <  ج:
ص:  >  >>