للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

الإصلاح والحرية

اطلع قراء الرسالة في العدد ٥١٢ على تنبيه للبحث الذي اعتزم الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت نشره في الرسالة، مدافعاً عن فتواه بشأن (نزول عيسى)، داحضاً أقوال مخالفيه في هذه المسألة. وقد فوجئنا في العدد التالي، بأن أسباباً قاهرة حالت دون نشر الرسالة لهذا البحث القيم، وهي إشارة لا تستبهم على من تتبع حركة الإصلاح الديني في مصر، وما لقيته في العهد الأخير من تعنت الجامدين، ومناهضتهم كل رأي جديد وبحث حر، مهما كان نصيبه من الإخلاص والغيرة على الشريعة السمحة التي أطلقت العقول من عقالها، وجعلت حرية التفكير من ألزم خصالها

وبينما يتطلع العالم الإسلامي إلى مصر لتكون موئل التفكير الحر، ومثابة الإصلاح المثمر لدينه وتقاليده وآرائه، ويتلقى بشغف بالغ الدعوات الكريمة والأبحاث الجريئة التي يتقدم بها أساطين العلم وجهابذة الفكر من رجالات مصر - يقف مبهوتاً كلما علم أن هذا الباحث أو ذلك المصلح قد حيل بينه وبين ما يريد من إبلاغ دعوته ونشر أبحاثه، وهذا في مصر التي حدثنا التاريخ أنها وسعت كل مذهب، وآوت كل حر طريد

نحن نعلم أن الخلاف لابد منه بين أهل البحث، ولا ننكر على مصر وجود طائفة تناهض الإصلاح وتخاصم المصلحين، ولكننا ننكر على هذه الطائفة أن تخاصم بالوقيعة وتستغل عواطف العامة، مستمدة في ذلك أسباب الغلب عندما تعوزها الحجة والبرهان.

ونفهم أيضاً أن يعرض أولو الأمر لحماية العقائد وصيانة الأخلاق، ويحولوا دون إفسادها بالآراء الشاذة والنشرات الخبيثة؛ ولكننا لا نسيغ أن يمنع عالم مصلح كالأستاذ شلتوت من الدفاع عن رأيه في مسألة دينية، وهو يتمتع بمركز علمي يعلو صاحبه عن كل شبهة تحول دون نشر أبحاثه على الناس، لاسيما في عهد الإمام المراغي الذي يرتقب فيه المسلمون خيراً كثيراً، ولن يبلغ المسلمون أمنيتهم من الإصلاح ما دام أنصار الجمود يملكون من النفوذ ما كانوا يملكونه في عهد ابن تيمية ومحمد عبده (هم العدو فاحذرهم).

(نابلس - فلسطين)

حلمي الأدريسي

<<  <  ج:
ص:  >  >>