فلسفة اللذة والألم - كيف تحس وكيف تتجمع التذكارات في الدماغ غاية التربية - الطفل صحيفة بيضاء - واجبات المتعلم والمعلم - فعل البيئة - الوظيفة بحسب الاستعداد. . . منشأ الأخلاق التساهل - أسباب التعصب - فوائد التعصب - الدين العملي - اختبار الأصدقاء. . .
في رأي الأخوان أن الحيوانات في اكثر الأحيان تحس باللذة والألم (لأن أبدانها مركبة من الأمهات الأربعة ذات الطباع المتضادة: وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وهي دائمة التغيير والاستحالة والزيادة والنقصان. فهي تخرج المزاج تارة من الاعتدال إلى الزيادة في أحد الأخلاط والطباع، أو إلى النقصان في واحد منها. واللذة هي رجوع المزاج إلى الاعتدال بعد أن يكون خارجا عنه. فمن أجل هذا لا يحس الحيوان باللذة إلا بعد أن يتقدمها ألم. وكل محسوس يخرج المزاج عن الاعتدال فأن الحاسة تكرهه. وكل محسوس يرد المزاج إلى الاعتدال فأن الحاسة تحبه)
تأمل هذه الأفكار فأن لها - على سذاجتها - حظاً كبيراً من الصدق والإصابة.
أما كيف تصل المحسوسات إلى الدماغ فهو انه ينتشر في مقدم الدماغ عصبات لطيفة لينة، وتتصل بأصول الحواس وتتفرق هناك وتنسج في أجزاء جرم الدماغ كنسيج العنكبوت. فإذا باشرت كيفية المحسوسات من أجزاء الحواس، وتغير مزاج الحواس عندها وغيرتها عن كيفياتها، وصل ذلك التغيير في تلك الأعصاب التي في مقدم الدماغ فتتجمع كلها عند المخيلة كما تتجمع رسائل أصحاب الأخبار عند صاحب الخريطة الذي يوصل تلك الرسائل كلها إلى حضرة الملك. ثم ان الملك يقرأها ويفهم معناها ثم يؤديها إلى القوة الحافظة لتحفظها إلى وقت التذكار.
هذا رأي الأخوان في تفسير الإحساس واختزان التذكارات في الدماغ. وللقارئ أن يتناول كتابا في علم النفس الحديث ليرى كيف يفسرون هذه الظواهر النفسية كالإدراك والإحساس والتذكر، ثم ليقابل ذلك بما يبثه إخوان الصفا من رأي صائب في هذه القطعة الطريفة الساذجة. بيد إنني لا احب أن يستقر في روع القارئ أن رسائل الأخوان كلها أو جلها على هذا النحو، وفي هذا الحد من الابتكار والإصابة. فان فيها من السخف والضحولة الشيء الكثير. ولهذا كان حتما على المطالع لهذه الرسائل ان يوطن النفس على ما فيها من تجاوز