لم يكن ايفان بونين بالكاتب المغمور أذاع صيته وأنبه ذكره في عالم
الأدبفوزه بجائزة نوبل، بل هو من أقدم الأدباء الروسيين المعاصرين،
وهو يمثل تلك العبقرية المثالية التي نعرفها في تولستوي وتورجنيف
وديستويفسكي
وقد تجلت هذه العبقرية في سمو تفكيره وفي نزعته العاتية بالحياة، وإذا كان مكسيم جوركي يتزعم اليوم الحركة الأدبية في داخل روسيا، فان ايفان بونين يتزعمها في خارجها، تدل على ذلك مؤلفاته القصصية التي نقلت إلى معظم اللغات الحية، ومركزه الأدبي الممتاز الذي يحسده عليه حتى مواطنوه.
ويعد بونين في طليعة كتاب القصة في العالم، ويقوم فنه - كما يصفه جيروم تاردو - على الابتكار والافتنان في الصورة التي بمخيلتنا، وبالأصوات والكلمات التي تطرق آذاننا، والإشادة بتلك العاطفة التي يبررها السرور المنبعث من القلب، وحيث لا تتجاوز أهمية الخير والشر غيرهما مما يحدث في الحياة.
وقد جاء بونين بفكرة كانت تعد غريبة من قبل، وهي أن الفنان يجب أن يكون إلها، لا تحاسبه إلا نفسه، فحياة الفن تتجاذبها عوامل شتى، يتحارب فيها الجميل والدميم، وليس للفنان إلا أن يسمو بفنه فوق هذه العوامل دون أن ينقاد إلى إحدى الطريقتين، وعليه أن يجعل حياته سعيدة طافية.
وتكاد هذه الفكرة التي يدين بها بونين، تبرز من خلال فنه الرائع الذي يبدو قويا في أشكال واضحة بديعة، كما إنها خلاصة أفكاره التي يطالعنا بها في مؤلفاته الخالدة، وقد كتب الجزء الأكبر من هذه المؤلفات بعيدا عن بلاده، وهي تحمل إلى جانب عاطفته المشبوبة وحبه لوطنه، طابع الإنسانية وتحقيق المثل الأعلى، وفي هذا دلالة واضحة على الحيوية الكامنة في ذهنه