للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الموسيقى الشرقية والغربية]

- ١ -

تقوم الآن حركة طيبة في الأوساط الموسيقية، غايتها النهوض بالموسيقى الشرقية إلى المستوى الذي يلق بها كفن له آدابه وأوضاعه وأصوله. وكان طبيعيا أن تتشعب الآراء، وتنوع الأفكار، والمدار هو الكيفية التي بها ترتفع الموسيقى الشرقية إلى مكانتها.

وسمعنا أثناء ذلك اسم الموسيقى الغربية تلوكه الألسن وتتجه إليه الأفكار كأنه الغاية التي إليها نتجه، والمستوى الذي إليه نرتفع، غير إن هناك السناً لم تنطق به وأنظاراً لم تتجه إليه، بل بقيت رابضة في وكرها لا تحيد عنه. وبين هذه وتلك تقف الفكرة الأساسية مترددة محجمة، وان سارت ففي خطى بطيئة متمهلة.

وقد رأيت أن اجمل في نقط بسيطة غير مركبة، أهم الاختلافات التي بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية، وذلك بأن أضع أمام القراء صورة حقيقية للأصل الذي أتكلم عنه، وان اقسم تلك الفوارق التي بينهما تقسيما منظما صحيحا لتكون أمام من يطلع عليها صورة مرتبة غير مشوشة، مع اختصاري قدر ما اصل إليه.

فمن رأى هذه الكلمة خلوا من الإفاضة والشرح فليعذرنا فلسنا نكتب كتاباً ليحفظ ويكون حجة ومرجعاً، وإنما هو مقال يجمع بين الفائدة والترويح، وعلينا العهد عندما نريد أن نكتب كتاباً أن نراعي الدقة جهدنا وان نختصر فيه أو نجمل.

تنقسم الفروق بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية إلى ناحيتين رئيسيتين، الناحية الأولى: وهي الناحية العامة، وفيها تظهر روح كل موسيقى وترتيبها وموافقتها لأخيلة وأمزجة مؤلفيها، ومناخ البلاد التي وضعت فيها وما لها من رقي وانحطاط، وهذه الناحية قد يكتب فيها الأديب المطلع كما يكتب الموسيقي، ولعل الأديب يكون اكثر توفيقاً في الشرح والوصف. أما الناحية الثانية فهي التي تتناول الناحية الفنية من بحث الأغراض التي يذهب إليها التأليف إلى اختلاف الأنغام إلى طريق التلحين، ثم إلى شرح الأوزان والمقاييس وما إلى ذلك من أقسام تتصل بالموسيقى من ناحيتها الفنية. وهي الناحية التي أرجو أن اقصر عليها عنايتي وان أستطيع توضيحها وتقريبها إلى الإفهام.

الموسيقى كأدب اللغة صورة ناطقة حية للعصر الذي وضعت فيه، والأمة التي نشأت منها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>