لم تمض إلا أربعة أشهر أو خمسة على كتاب (معاني الفلسفة) الذي ألفه الدكتور أحمد فؤاد الأهواني حتى أتحف جناح الفلسفة في المكتبة العربية بكتاب من كتب فيلسوف العرب يعقوب الكندي، وهو الكتاب الذي بعث به أول فيلسوف من فلاسفة العرب إلى الخليفة العباسي.
ولم يكن غريباً على فلاسفة المسلمين أن يبعثوا بكتبهم إلى الخلفاء، ولم يكن جديداً على (الكندي) نفسه أن يراسل الخلفاء في مسألة من مسائل العلم، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة في (طبقاته) أن للكندي رسالة إلى المأمون (في العلة والمعلول).
وتحمل مراسلات الفلاسفة للخلافة والأمراء معنى تشجيع هؤلاء لأولئك، وهي في ذاتها دلالة من الواقع والتاريخ على ما كان يقوم به الخلفاء من احتضان العلماء وتقريبهم ومعونتهم على أداء الرسالة الجليلة التي نصبوا أنفسهم لها، وأضنوا أنفسهم في سبيلها.
وعنوان الرسالة نفسه (في الفلسفة الأولى) يحمل سؤالا يرد على الخاطر لأول وهلة؛ فهل هناك فلسفة أولى تقابلها فلسفة ثانية وثالثة ورابعة؟ وهل هناك فلسفة أولى تقابلها على سبيل الطباق البلاغي فلسفة آخرة؟ كما يقال في الشهور القمرية جمادي الأولى وجمادي الآخرة؟ وكما يقال في صفات الله: هو الأول والآخر؟؟
ظننت أول الأمر أن الفلسفة الأولى هي فلسفة اليونان التي اشتغل بها العرب في إبان بهضتهم في الترجمة. فقد أكبوا على فلسفة اليونان ونقلوها إلى اللسان العربي الذي كانت الفلسفة شيئاً جديداً عليه. ولكن الدكتور الأهواني يقول في مقدمته التحليلية النفيسة للرسالة إن اصطلاح (ما دون الطبيعيات) هو نفسه (الفلسفة الأولى) ص ٥٥؛ وقد يكون ذلك مقبولا لو أن عنوان رسالة الكندي هو (كتاب الفلسفة الأولى أو ما دون الطبيعيات)، ولكن