للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة النقد]

كتاب (الإمتاع والمؤانسة)

أتحدث إلى القراء عن طرفة من أثمن طرائف الأدب القديم يعد ظهورها في هذا العصر من خير ما أثمرت المطابع المصرية من كتب الأدب الرفيع، كما يعد الاتجاه إلى نشرها من أحسن ما وقفت إلى التفكير فيه لجنة التأليف والترجمة والنشر، على كثرة ما وفقت إليه في تفكيرها. وتلك الطرفة النفيسة هي كتاب:

(الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي)

وإنك لتقرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره، فيملأ نفسك روعة، قبل أن يروعك أدب مؤلفه الفذّ بما تراه فيه من براعة الحسن في جودة طبعه، ودقة في تصحيحه، وصدق النظر فيه، وكمال العناية بكل لفظ من ألفاظه.

وقد قرأت الجزء الأول من هذا الكتاب، وكنت قد اطلعت على عدة صفحات من نسخته الأصلية المأخوذة بالتصوير الشمسي المحفوظة بدار الكتب المصرية، وهي النسخة والوحيدة لهذا الجزء رغبة في تتميم بعض البحوث عن مؤلفه أبى حيان التوحيدي، وإذا بي أرى جميع سطورها مغمورة بالتصحيف والتحريف، والنقص والزيادة؛ فلا يهتدي الساري في ظلمات هذه النسخة إلا بمصباح قوي من الأدب القويم، والذوق السليم، والمران الطويل، والصبر الذي لا يعرف الضجر.

وقد بعثني على تناول الكتاب من هذه الناحية مقالان قرأتهما في مجلة الرسالة للدكتورين زكي مبارك وبشر فارس تغاضيا فيهما كل التغاضي عما ملئت به صحفه من حسن وإحسان رائعين، وأغفلا كل الإغفال تلك الجهود القوية الملموسة في كل ناحية من نواحيه، وشغلا بعدة كليمات تافهة قد تسقطاها في هذا الكتاب، زاعمين في بعضها زعماً لم يؤيده الواقع في شيء أن مصححيه الفاضلين قد فاتهما تصححيه أو شرحه، وفي البعض الآخر منها أنهما قد صححاه تصححياً أو شرحاه شرحاً لا يلائم الصواب.

وقبل أن أتحدث إلى القراء عن هذين المقالين أريد أن أنبههما وأمثالهما من النقاد إلى أنه لا ينبغي أن ينشر في الصحف في نقد أي كتاب إلا ما يتعلق بقيمته الفنية ومنزلته بين أشباهه من الكتب، والمميزات التي تميز بها عن غيره من المؤلفات في فنه، وما كان يفقد هذا الفن

<<  <  ج:
ص:  >  >>